أكد الدكتور عبد الواحد الحميد، نائب وزير العمل، أن علاج مشكلة البطالة تحتاج إلى سياسات قد تكون مؤلمة، وتؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، مشيرا إلى أنه ينبغي العمل على معالجتها بترشيد الاستقدام وتمكين المواطنين السعوديين من العمل في الوظائف التي يعمل فيها أجانب، إما بالحصر الكامل أو بتمكين السعوديين من العمل فيها على مراحل، أو بخلق وظائف جديدة يتم إحلالها بسعوديين. جاء ذلك خلال حلقة النقاش المصاحبة لاجتماع الجمعية العمومية الأول للجمعية السعودية للدراسات السكانية، التي تحدث فيها الدكتور الحميد عن سياسات التوظيف المطبقة في المملكة خلال السنوات العشر المقبلة، وقال فيها: "إن البطالة ليست وليدة اللحظة، بل منشؤها تاريخي، يرجع منذ بداية الخطط التنموية في بداية السبعينيات عندما أرادت المملكة أن تتوسع في مشاريع تنموية لم يكن لديها حينها ما يكفي من العمالة الوطنية للقيام بتلك المشاريع، كما أن القطاع الحكومي أيضا كان في حاجة إلى أعداد كبيرة من العاملين، حينها اختير استقدام عمالة مؤقتة تعود إلى بلادها بعد أن تنتهي من تلك المشاريع، لكن ما حدث كان مختلفا، فبسبب أهمية القطاع الحكومي وحساسيته سعت الدولة إلى سعودته بالكامل مبكرا، في حين سمح للقطاع الخاص أن يستقدم العمالة وهو الأمر الذي بدوره أفرز تفاعلات، منها أن الوظيفة الحكومية أصبحت مرغوبة في حين وظيفة القطاع الخاص لم تعد مرغوبة". وتابع الحميد: "بعد فترة تقلص دور الدولة في التوظيف عما كانت عليه في السابق بسبب تشبع الأجهزة الحكومية وترشيد الإنفاق وتبعها التقليل من التوظيف في مقابل تنامي دور القطاع الخاص الذي أصبح له إسهامات كبيرة في الدخل القومي، وصار يستقبل المزيد من العمالة"، مشيرا إلى أن تدفق العمالة الوافدة أفرز واقعا اجتماعيا مختلفا؛ فالأجور التي تقبل بها العمالة الوافدة منخفضة؛ وهو ما أدى إلى أن يكون الأجر العام منخفضا، وبالتالي أصبحت المنافسة بين السعودي والوافد غير مقارنة بسبب الوضع الاجتماعي، إلى جانب ذلك برزت سلوكيات جديدة في إدمان الاستقدام واعتبره بعض المستثمرين حقا مكتسبا للاعتماد على العمالة الوافدة وترسيخ ثقافة العيب، حيث لم يعد السعوديون يتقبلون بعض الوظائف. وقال: "إن نمو قطاع الإنشاءات وحاجة السعودية إلى مشاريع تنموية أدى إلى استقدام عمالة كبيرة وضعتنا أمام خيارين، إما وقف التنمية أو استقدام عمالة لمهن لا يمكن إحلالها بسعوديين"، مؤكدا أن الأجر غير المشجع يصرف السعوديين عن العمل في بعض المهن لدى القطاع الخاص. كما ألقى الدكتور أحمد صلاح، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، ورقة علمية "تطور البطالة ومستقبلها في خطط التنمية"، قال فيها: "أي خطة للقضاء على البطالة يجب أن تبنى من خلال رؤية مستقبلية للاقتصاد السعودي والتي تعتمد على توفير فرص مجزية لجميع المواطنين القادرين على العمل". وأشار إلى أن أهم التحديات التي تواجه خطط التنمية في مواجهة البطالة تتمثل في تطوير الموارد البشرية وتوظيفها لتحقيق تنمية مستدامة وتوفير فرص عمل، حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان المملكة في عام 1445ه إلى 33 مليون نسمة، وأن يبلغ متوسط النمو المتوقع للناتج المحلي 5.7 في المائة، إلى جانب ازدياد عدد خريجي الجامعات والكليات السعودية التي تضاعف عددها إلى جانب خريجي برامج الابتعاث الخارجي. وتابع: القطاع الخاص هو المحرك للنمو وهو الذي يستوعبه، متوقعا أن يستوعب استثمارات تصل قيمتها إلى 1762 مليار ريال في قطاعات الغاز والتكرير والبتروكيماويات وسكك الحديد والتعدين والاتصالات والكهرباء وتحلية وتوزيع المياه والصرف الصحي، مشيرا إلى أن هذه القطاعات جميعها تحتاج إلى كفاءات سعودية مؤهلة. وأوضح أن عدد الأجانب تضاعف بنحو ثلاثة أضعاف المواطنين خلال الفترة من عام 2004 وحتى 2010، حيث ازداد عدد الأجانب بنسبة 40 في المائة في حين زاد عدد المواطنين بنسبة 13 في المائة، وبيّن أن العمالة الأجنبية الأمية تشكل نحو 27 في المائة من إجمالي العمالة الأجنبية. وأوضح أن وزارته وضعت نصب عينيها تخفيف معدل البطالة في الخطة الخمسية ال 12 والحالية من 9.6 في المائة في 2009 إلى 5.5 في المائة في 2015، مشيرا إلى أن الرقم ما زال مرتفعا، لكن الوصول إليه في الخطة الخمسية الحالية يعد مكسبا حقيقيا. ويرى أن السعودة لم تنجح بعد بسبب عدم اعتماد آلياتها على آليات السوق، المتركزة على العرض والطلب والأجور، وأن استمرار انخفاض متوسط الأجور لا يؤدي إلى السعودة ولا يغري الشباب في التوجه إلى تخصصات دقيقة يحتاج إليها سوق العمل. من جهته، أوضح الدكتور حمد آل الشيخ، وكيل جامعة الملك سعود للتطوير والجودة، أن منظومة البيانات حول سوق العمل غير مكتملة وتنقصها الكثير من المعلومات عن الوافدين والمواطنين، مؤكدا ضرورة إشراف جهة واحدة عليها، تحصر تلك المعلومات وترصدها بشكل دقيق كل شهر لقياس معدل البطالة والعمالة الوافدة ومتوسط أجور المهن. وطالب آل الشيخ بتعديل السياسات والآليات العاملة في السوق لمنح الشباب فرص العمل الشريف وأن تتغير التنظيمات لتكفل للمرأة فرصة الحصول على عمل. وقال: ينبغي أن يتم تعديل الحوافز لحث الشباب على العمل في القطاع الخاص، وأن تتصف بالحزم حتى لو كانت مؤلمة، وأن القطاع الخاص يجب أن يعول عليه في توظيف الشباب والفئات عالية التأهيل، كما يمكن أن يتبنى القطاع الخاص نفسه إعادة تأهيل خريجي الجامعات لتخفيف الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل.