ذات مرة لفتت نظري فتاة من المبتعثات في أمريكا بذكائها ودقة ملاحظتها وبراعتها في المداخلة خلال محاضرة لأحد ضيوف الملحقية، وبعد المحاضرة سلمت على الطالبة إعجابا وتقديرا وفخرا لأعرف أنها طالبة بكلية الطب وقد أمضت حوالي أربع سنوات في ذلك الوقت، وفي سياق الحديث فجرت سؤالا حارقا وجهته لي وكأني صاحب قرار، قالت: متى ستصدرون قانونا لمكافحة التحرش؟ قلت لها يا ابنتي العزيزة لست أنا الذي يوجه له السؤال، قالت بلى ألستم أنتم الكتاب الذين تطرحون مطالب المجتمع وتتحدثون عن مشاكله، قلت نعم ولكن هذا كل ما نستطيع القيام به، وقد كتب الكتاب وتحدث المتحدثون عن ضرورة إصدار هذا القانون ولكن الانتظار طال دون مؤشرات على ولادته. وبحسرة وأسى قالت الطالبة: يؤلمني جدا أنني أستطيع المشي والحركة هنا وأنا في غاية الاطمئنان وفي أي وقت أشاء، لكني لا أستطيع ذلك في وضح النهار وفي أكثر الأماكن ازدحاما وحركة في وطني لأنني معرضة للخطر من الكلاب الضالة التي تسرح وتمرح دون قانون يضبطها ويؤدبها. ما زالت عبارات الطالبة ترن في أذني، أتذكرها كلما قرأت عن حادثة تحرش قبيحة وسافرة في أسواقنا وشوارعنا تنتهي بعقوبة رمزية ولوم شديد للفتاة الضحية لأنها كانت موجودة في ذلك المكان. وقد أعادت حلقة «سيلفي» مؤخرا إلى الأذهان هذا الموضوع الذي لا ندري ما هي حكمة مجلس الشورى في عدم بحثه واستصدار قانون يأخذ على أيدي السفهاء والمستهترين. وبكل صدق فإنه لا أحد في هذا العالم يستطيع تفهم موقف مجلس استشاري له بعض صلاحيات التشريع يرفض إخراج قانون أخلاقي يحمي ضحايا المستهترين بالأخلاق، إنه موقف صادم ومحير في نفس الوقت، لا يوجد له أي تبرير. وللحق فإن مواقف مجلس الشورى الغريبة حيال قضايا في غاية الأهمية بدأت تضع علامات استفهام كثيرة. إنه مرة بعد أخرى يفاجئنا بما لا يخطر على بال، كقانون حماية الوحدة الوطنية الذي رفضه من حيث المبدأ، ومع أن أعضاء المجلس يعلمون عن قضايا التحرش المتكررة المخزية إلا أنهم يتوارون خلف الصمت والتنصل من واجب أخلاقي قبل أي شيء. وهذا يجعلنا نسأل المجلس بصراحة: ما الذي تفعله يا مجلس الشورى ومن أجل ماذا تتنصل من قضايا هامة تقلق كل المجتمع؟ صحيفة عكاظ*