آخر تحديث للمقالة بتاريخ : 31 ديسمبر 2014 الساعة : 10:32 مساءً نرى أنفسنا أسوياء !! هناك من الناس من انهكتهم السنين ، واوجعتهم نظرة المجتمع ، فأصبحوا لا يهتمون بشيء ، حتى بأنفسهم ، حتى بات منظرهم هزيل ، وأهدافهم تكاد تكون معدومة ، يقضون أيامهم يجوبون شوارع المدينة مشيا على الأقدام ، لا يهمهم شيء ، ولا يكترثون لأمر من من أمور الحياة المتقلّبة ، صغر أو عظم ، فأصبح الجميع ينظر اليهم نظرة المعتلّين ، ويعتبرهم غير أسوياء ، ويعاملهم بدونيّة لا تنتهي ، وينعتهم بغير العقلاء ، ولو سألت عنهم ، لقالوا لك : ان هؤلاء هم ضحايا المخدرات !! قد يكون للمخدرات دور في تدهور أوضاعهم ، وتردّي حالتهم النفسيّة وحتى الشكليّة ، لكنهم في الواقع أسوياء ، والبعض منهم عباقرة في مجتمع كسول ، يحارب الفطين ، ويستنكر المتسائل ، ويجرّم الباحثين عن الحقائق وأصحاب المبادئ ، لذلك قيل عنهم (متخلّفون) عقليّا ، وأنا أقول أن هذا المجتمع هو من يعاني عموما من تشوّه الفكر ، وبيئته حتما لا تناسب المبدعين . قبل ايام قادتني الصدفة فجمعتني بأحد هؤلاء المتجوّلين في الشوارع ، وقد بادرته الحوار متطفّلا ، سألته سؤال واحد ، ما اسمك ؟ أجابني ماذا يعنيك لو عرفت اسمي ! فقلت له يعنيني كثيرا أن أعرف عنك اسمك ، وان أعرف عنك المزيد ، كنت أتخاطب معه و أنا انظر اليه بعين الشفقة ، وانتظر منه إجابات مضحكة ، لأن مجتمعي رسمهم لي على أنهم لا يجيدون حتى الحديث . ولما وجد مني اهتماما بما يقول ، أشعل سيجارته ، ثم غاص بي في حوار طويل ، ذكر لي تفاصيل تاريخيّة لم أكن لأجدها عند أعقل العقلاء ، كان يتحدث بثقة ، ويسرد احداث بتواريخها ، وبدقّة عالية ، بل كان عميقا جدا وهو يتحدث عن تلك التفاصيل ، يعرف كيف يربط القصص التي يذكرها ، يجيد افتتاح ما يرويه من أحداث، ويحسن اختتامها ، دون أن يفقد شيء من التفاصيل ، دقيقها وجليلها ، بل ويستنتج من تلك الأحداث المترابطة بكل حصافة. تنتهي سيجارته ، وعلى الفور يشعل الأخرى ، كررها ثلاثا حتى غادرته ، كان يتحدث بعمق مذهل ، تطرقنا الى عدة مواضيع ، حتى الآراء والاختلافات الدينيّة كان لها نصيب ، ووقفت أمامه منذهلا وهو يستشهد بآيات قرآنيّة كريمة ، وأحاديث نبويّة شريفة ، كما لو كان على منبر أئمة المساجد ، وبعد أن أمضينا وقتا ممتعا في الحديث ، قال لي : يبدو أنني تسببت في تأخيرك ، قلت له على العكس يا صديقي ، صمت قليلا ، ثم قال : اذا فلتكن في ضيافتي اليوم على وجبة غداء متواضعة ، أجبته مازحا : ليس لديك بيت تستضيفني فيه يا هذا . أجابني بسرعة (( من حيث ما ودك ، اختر المكان اللي يناسبك))، اعتذرت منه ، وقد كان جادّا جدا في دعوته لي ، واستمر يكرر دعوته بكل أدب ، حتى غادرته وأنا في حيرة من أمري ، أيعقل أن يكون هذا متخلفا عقليّا ، هل فعلا أنا المتزن العاقل وهو المعتلّ ؟؟!! عندها عرفت أننا ندعي أننا الأسوياء ، فقط مجرّد إدعاء . . أ. الحسين بن اسماعيل القاسم صحيفة نجران نيوز الالكترونية