لازال لدي قناعه تنُصُّ على أن المجتمع المسلم بكل طوائفه يمر بمرحله محوريه ستنتهي بخيارين أثنين , إما العدول عن الهاويه التي بتنا على مقربه منها ومن ثمّ احداث ثوره علميه ونهضه حقيقيه في كل الجوانب ، أو الاستسلام لنظرية الاقصاء التي بدأت تفرض هيمنتها على كل التيارات ذات الصيغه الدينيه المصطنَعه ، وبعد ذلك الانجراف الى قعر الهاويه الموصدَه لا قدّر الله . هذه القناعه تسرّبت الى مخيلتي بناءا على التشابه الكبير الذي أراه يصل الى حد التطابق ، بين الوضع السياسي الديني أو الديني المسيّس للعالم الاسلامي أجمع وبين ذات الوضع الأوروبي (الديني والسياسي ) في القرون الوسطى وعصر الكنيسه ،حيث يكمن التشابه في اللهجه الدينيه من قبل العامّه , والخطاب الديني من العامّه ايضا وبعض الخاصّه . الراهب الألماني – مارتن لوثر – والمؤسس الأول للكنيسه البروستانتيه وقف في وجه الكهنوت الباباوي ونجح في نزع السلطه من قبضة الكنيسه ليرسم بعدها خارطة تحرير شملت كل زوايا اوروبا ، بل ووضع الأساس الصحيح للإقتصاد الاوروبي الذي نشاهده الآن . وذلك لأنه كان يؤمن بأن العلاقه بين الخالق والمخلوق ، لا يجب ان يفصل بينها كنيسه , أوأن يتخللها صك غفران ، أو يحددها بابا أو غيره ، وكان شجاعا في اتخاذه لقرار مناقشة الكنيسه فيما يتعلق بصكوك الغفران ،رغم وجود مجموعة من الغلاه وأخرى من المستفيدين على الطرف الآخر ممن يرفضون أفكاره إما كسلا علميّا , أو خنوع تقديسيّا لغير المقدّسين أو تجارة بدين واخلاقيّات العامّه للحصول على المقابل السلطوي والمادي ، وهذه هي الغريزه البشريه وحال الكثير من المؤسسات والمركزيات الدينيه . بداية النهج التحريري والتصحيحي لمارتن لوثر كانت عن طريق اعلان هذا الراهب الألماني رفضه لدفع أي مقابل مادي للكنيسه مقابل ما كان يسمّى ب(صكوك الغفران )، معتبرا أن تصحيح الخطأ والتوبه ومعرفة الصواب تشترط الإيمان الصادق والمخلص فقط ، دون الحاجه للعوده الى السلطه الدينيه , او دفع أي مقابل للحصول على رضى الرب المرتبط برضى الحاكم (كما فسّرها ) في رسالته الموجهه لبابا الفاتيكان حينها ،،، بهذه الرساله والتي تضمنت خمسا وتسعين نقطة جدل حول أداء الكنيسه وهيمنتها على أموال وعقول الملايين من البشر،،، ، وبعد أن وصلت هديّة هذا الراهب المعتدل الى شريحه كبيره من المجتمع الأوروبي الكاثوليكي ، استطاع مارتن لوثر أن ينزع السلطه تماما من يد الكنيسه المتطرفه وأن يقنع الناس بأن ايمانكم الصادق وتوبتكم واعترافكم ستصل الى الرب , دون الرجوع الى الكنيسه أو الحصول على موافقتها أو مباركتها . احتاجت هذه المغامره المارتنيه الى سنوات عديده لتفرض نفسها في الشمال الأوروبي ، وتحررت على اثرها شعوب وثقافات عديده ، حتى وصلت الى الجزء الآخر من القارّة العجوز ، بمساعدة الثورات التي أحيت شوارع فرنسا وأعادت عقول الناس وحريّاتهم الى متناول أيديهم ، وتمخضت عنها نجاحات اقتصاديه وعلميّه عظيمه . تلك الثوره العلميه والتنويريه والتحريريه التي أشعل فتيلها مارتن لوثر ، واستنارت على إثرها الأجيال تلو الأجيال ، ما كانت لتحدث لولا أن تخلّص مارتن لوثر عن تقديس ما ليس جديرا بالقُدُسيّه ، وتحرره من قيود من كان يوهمه بأن الرضى الرّباني لن يأت ما لم ترضى عنه الكنيسه والقائمون عليها . هنا استذكر بعض العلماء المسلمين ، كعدنان ابراهيم وحسن المالكي وغيرهم ، واتسائل عن إمكانية خلقهم لمدرسه اسلاميه عصريه ملتزمه ، تتجه بالعقل والقلب تجاه العلم والإيمان بالشكل الصحيح ، تحفظ للمسلمين بكل فصائلهم ميزة التآخي والصف الواحد ، الخالي من سُقم العنصريه ، وسخف الطائفيّه . مارتن لوثر / مادّه إقتصاديه دسمه رغم الإختلاف العقدي معه كمسيحي ، إلا أنه نموذج للحياديه والتجرّد من العاطفه والخمول الفكري ، ومن الصعب أن نختصر فصول تجربته التي بدأها منذ ما يزيد عن خمسة قرون ، ولازالت اوروبا عامة وألمانيا على وجه الخصوص تجني ثمارها يوما بعد يوم من الصعب أن نختصرها في مقال أو مجموعة مقالات ، لذلك اكتفيت بطرح اسمه في هذا المقال ، ولكم ان تقرؤا عنه ما يطيب لكم من الشبكة العنكبوتيه ، لتصلوا الى رسالتي التي اردت أن اريكم اياها . الحسين بن اسماعيل آل قاسم كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية