كنت قد أشرت سابقا إلى أن نادي نجران الأدبي ما يزال في طور التكوين و مرحلة اكتشاف الذات ، وليس النادي فحسب بل أن الحركة الثقافية في نجران برمتها ما تزال تتلمس خطواتها في عالم الإبداع الأدبي، ومن هذا المنطلق فأن النادي يحتاج التريث في الحكم عليه بغض النظر عن الانسجام والتوافق مع أعضائه أم لا ، ولكوني مدرك أيضا بأن الحديث عن النادي محفوف بالمخاطر الفكرية في ظل (عتب) عدد كبير من نشطاء الساحة الثقافية النجرانية على النادي وإستراتيجيته التي ينتهجها في إدارة دفة العملية التنويرية وهو بلا شك (عتب) المحبين والمتطلعين إلى الأفضل ، وقد يقول قائل أنني أحاول التبرير أو خلق الذرائع للنادي الأدبي فيما يراه السواد الأعظم من مرتادي المقاهي الثقافية بالمنطقة خيبة أمل وقصور من النادي في تقديم المطلوب منه نحو المنطقة وثقافتها وأجيالها ، ومع أنني جاهدت قدر الإمكان أن اطرح وجهة نظر متواضعة من خارج (بلاط) الساحة الثقافية ومحايدة في تعاطيها مع هذا الموضوع .. (ف)النظرة عندما تأتي من داخل البيت تغلب عليها العاطفة إلى حد كبير ولا ترى سوى الزوايا التي تحب أن تراها وليست الصورة بالشكل الكامل ! والآراء تكون أكثر ايجابية عندما يرتكز أي نقد للنادي على معايير محددة ولا نترك الأهواء الشخصية تهيمن على وجهات النظر في آلية عمله كأحد مؤسسات المجتمع المدني المعنية بشجون وهموم التنمية الفكرية والأدبية ، فهو بالفعل يعتبر حديث عهد ولم يمضي الوقت الكافي للحكم بالمطلق على أنه ( نادي خائب ) في مدرسة الأدب والثقافة ، والبدايات دائما ما يرافقها عدم وضوح في الرؤيا والتي قد ينتج عنها بعض السلبيات ويمكن تلافيها مع زيادة الخبرة والممارسة ، وتأسيس حركة ثقافية عميقة في معانيها وسامية في اهدافها وقادرة على تقديم أبناء نجران بالشكل الذي يليق باسمها المشغول (ب) ذهب الآصالة وشموخ الحضور المتفرد على امتداد التاريخ يتطلب عشرات السنين من ممارسة الفعل الأدبي والثقافي ، وعملية التنوير وإعادة اكتشاف ثقافة أي (أمة) وضخ الدم في شرايين الإبداع الأدبي ليست بالأمر السهل وهي بدورها تحتاج أيضا إلى سنوات من العمل والجهد الشاق ، خصوصا أن الحراك الثقافي النجراني قضى رَدَحٌ من الزمان في غيبوبة تامة سواء نتيجة عدم وجود دعم يذكر من الإدارات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي ، والشح المتراكم في المخرجات الإبداعية، إضافة إلى النظرة العامة لدى أهالي المنطقة بأن الثقافة والأدب تندرج تحت بند( مضيعة الوقت) ! وحيث أن آليات وطرق اكتشاف المواهب وإيجاد أفضل السبل لدعمها وتشكيلها حسب نوعية كل موهبة ماتزال الخبرة فيها متواضعة في المنطقة ، وتحتاج إلى (فراسة) ثقافية قادرة على تقديم أدباء ومثقفين من الطراز الأول وذلك لن يتم في ليلة وضحاها ، بل يحتاج إلى قامات ثقافية ذات تجربة طويلة ومؤهلة بما فيه الكفاية لقراءة ما بين سطور التطلعات الكبيرة والأحلام العظيمة ، (وحذاري) من عمليات (السلق) الأدبي بحجة سرعة الحصول على النتائج والتي في أفضل حالاتها لن تقدم لنا أكثر من أنصاف الأدباء الذين (يتكاثرون) على ضفاف المصالح والمكاسب الشخصية اللحظية ، ويعتبرون آفة المجتمعات المتحضرة واكبر إشكالية قد تواجه أي مجتمع .. (ف) وجود مثل هذه النوعية من شأنه طمس ملامح الهيكل الثقافي لأي حضارة من خلال تقديم منتجات أدبية منقوصة ولا تثري أي شارع بل على العكس قد تكون سبب رئيسي في ضمور فكري يمتد لعدة أجيال ! ودعم المسيرة الثقافية والتنمية الفكرية للمنطقة والخروج بها من الأفق الضيق إلى آفاق أكثر رحابة ، لن يتم إلا من خلال التلاقح الفكري بين محاولات أبناء المنطقة وفضاءات الأدب الممتدة على طول الوطن العربي الكبير .. والاطلاع على تجارب الآخرين من خلال قراءات الهواة لن تكون كافية ما لم يتم تدعيمها بالقراءات النقدية المتخصصة والمشاركات الفاعلة ( ليس التمشية فقط) في المنشاط الثقافية المختلفة سواء بالداخل أو الخارج ! ولصناعة جيل بهذه التقنية والقدرة النقدية المتمكنة لا بد من الاستعانة في ذلك بإمكانيات (جامعة نجران) في دعم الحركة الثقافية أكاديميا وكذلك من خلال تخصيص برامج وورش تعمل على زيادة جرعات المعرفة بأساليب ومدارس النقد المختلفة وتشجيع المهتمين من أبناء المنطقة للخوض في مثل هذا النوع من الدراسات ، وإقامة المحاضرات والأمسيات الأدبية لأسماء أثرت الفضاء الأدبي والثقافي محليا وعربيا في شتى مجالات الأدب والفنون ( رواية - شعر - قصة قصيرة - مقالات- فنون تشكيلية- دراسات نقدية .. الخ ) ، مثل هذا الحراك والمحاضرات وتسليط الضوء من خلالها على التجارب الشخصية لرموز من مدارس متنوعة وأيدلوجيات متباينة .. تعتبر أحد الخطوات الهامة التي من شأنها صقل مواهب الطلاب والمهتمين بالشأن الثقافي من خارج أسوار الجامعة ، وزيادة الحس الأدبي والرؤية النقدية المبنية على أسس ومعايير علمية وتلك بدورها سوف تكون نواة لأجيال من الإبداع في مجالات الفنون والآداب المختلفة ! وحيث أن مساحات الرأي التي تنطلق من النظرة إلى النادي وكأنه (عزبة) مسجلة تحت ملكية أعضائه الكرام لن تضيف أي قيمة مهما كانت درجة إتقانها ، ولا يمكن لأي أحد أيضا حتى أعضاء النادي أنفسهم الجزم بعدم وجود ملاحظات وآليات تحتاج إلى إعادة النظر فيها وتطويرها بما يتواءم مع الأهداف التي من اجلها قام النادي ، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن يتم تحميل النادي تبعات أي شي وكل شي (ل) مجرد أننا لا نتفق مع الطريقة التي يدار بها أو لعدم الظفر بأحد كراسيه.. وليس بالضرورة أن يكون جميع أبناء المنطقة أعضاء (عاملين) في النادي حتى يتسنى لهم المشاركة في الحركة الثقافية.. والمرحلة القادمة تحتاج إلى كل مبدع على أرض نجران لتضافر الجهود والتعاون فيما بينهم لتحقيق نهضة فكرية ذات قيمة وبُعد حضاري .. وهم أهل لذلك اليسوا الامتداد الطبيعي لحضارات أنارت الدنيا بأمجادها وعلومها في شتى المجالات ؟! لم يتبقى سوى القول أن عظماء التاريخ من أدباء ومثقفين لم تصنعهم الأندية الأدبية أو المؤسسات الرسمية .. والكثير من (التحف) الأدبية الخالدة في سماء الثقافة العالمية خرجت إلى النور من خلال الإرادة الصلبة والأحلام العظيمة التي إستوطنت قلوب أصحابها ! كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية