كثيراً من الأُسَر تتحدث لأبنائها عن قصص الآباء والأجداد بهدف غرس القِيَم السامية وترسيخ المبادئ الأصيلة في نفوسهم، ولكي تكون هذه الحكايات نبراساً يقتبسون منه لإضاءة مستقبلهم، وزيادة مخزونهم من الخبرات الحياتية. لا يُنكر أحد ما للقصص من أهمية في توسيع الخيال والإدراك والتصور الإيجابي لدى الطفل، ولا شك أيضاً أن المبالغة في حشو القصص بالحوادث الخارقة والمعجزات التي لا يوجد شبيه لها إلا في قصص الأنبياء والشهداء ستؤدي بالتأكيد إلى وجود خلل في تصوُّر الطفل، الذي سينعكس بدوره على سلوكه، خصوصاً إذا كانت هذه القصص مروية عن الأجداد!! للأسف الشديد أن بعض الأُسَر تبالغ كثيراً في الحديث عن الماضي؛ حيث تُصوِّر الأجداد وكأنهم ملائكة غلاظ شداد!!.. من الطريف أن أحدهم كان يحدثني عن جده قائلاً: "كان جدي - رحمه الله - ممن يُشهد لهم بالقوة والبأس، حتى أن كل ما في المنزل كان يهتز عند دخوله إليه!! وفي مرض موته ذهب به والدي إلى الطبيب الذي قال لجدي: إن حالتك من أغرب الحالات التي تمر بي، ومن الصعب علاجك؛ لأنك تمتلك نفسَيْن في جسد واحد!!". شخص آخر يخبرني عن جده قائلاً: حدثت معركة بين جدي ومجموعة من الرجال، وكانت حجارته التي يرشقهم بها تخترق بطونهم لتنفذ من ظهورهم لقوته وصلابته!! وفي يوم وفاته هطل المطر ثلاث ليال متتالية رحمة به!! والأعجب أن كلا المتحدثين عن سير جديهما كانا يحملان شهادة البكالوريوس!! مثل هذه القصص تدل بشكل واضح على مدى تأثر رواتها بما تم قصه عليهم في أيام الطفولة، حيث بقيت صور أجداد "السوبر مان" عالقة في أذهانهم حتى بعد حصولهم على الشهادة الجامعية!! فهل حان الوقت لأن نختار من الحكايات ما يكون بعيداً عن المبالغة، وتحديداً إذا كانت تمس حياة الآباء والأجداد؟! محمد عمير سالم الغامدي صحيفة سبق