أروع ما في الثورة المصرية أنها ثورة كاشفة لعورات الأحزاب السياسية الورقية التي كانت تقوم بدور المحلل الجاهز دائماً لخدمة الحزب الوطني الديمقراطي المنحل وحكوماته الفاسدة، كما أنها كاشفة أيضاً للانتهازية السياسية لبعض الجماعات التي كانت تلعب هي الأخرى أدواراً رئيسة لإضفاء الشرعية على النظام البائد، والشعب يدرك أن الجميع كانوا في قمة السعادة والرضاء حينما يجود عليهم الحزب الوطني المنحل بفتات التمثيل في مجلسي الشعب والشورى، بما يعني أن جميع الأحزاب والجماعات الموجودة على الساحة حالياً هي جزء لا يتجزأ عن نظام حسني مبارك الذي يعمل الجميع على إدانته ومحاسبته، ولو لم يسيطر الغباء والغرور على النظام السابق حين قام بتزوير الانتخابات، ولو كانت تلك الأحزاب الورقية والجماعات المساندة حصلت على نسبة ولو قليلة من مقاعد مجلسي الشعب والشورى لكان لها رأياً مختلفاً، وقد تجلى ذلك في بدايات الثورة حين سارعوا إلى الاجتماع مع عمر سليمان وكانوا على أتم الاستعداد لأن يبيعوا الثورة ومن قام بها مقابل الحصول على الفتات كما هي عادتهم في الانتهازية السياسية، ولكن الثورة الشعبية العظيمة أبت إلا أن تقوم بتعرية سوءات الجميع، فما كان منهم إلا أن انقلبوا ثواراً بعد أن كانوا عبيداً للنظام. ويا ليت الأمر توقف عند ركوب تلك الأحزاب والجماعات للمد الثوري للاستفادة من الفراغ الذي أحدثه نتيجة انهيار نظام الفساد، بل نرى البعض منهم يدعي لنفسه فضل القيام بالثورة عملاً منه على سرقتها بالكامل والاستحواذ على مكاسبها، وهذا سلوك لا يختلف كثيراً عن سلوك النظام الفاسد البائد الذي كان يجد لذته في استغفال الشعب وخداعه ظناً منه أن المواطن المطحون وراء توفير متطلبات الحياة لن يستطيع أن يكتشف تلك الأكاذيب، ولكن ما لا تدركه هذه الأحزاب وتلك الجماعات أن الشعب المصري لم يكن يوماً من الأيام غبياً أو مغفلاً، ولكنه الصبر وقوة التحمل التي يتميز بها عن سائر الشعوب. ويبدو أن الأحزاب الديكورية والجماعات الانتهازية وقد أدركت أن هناك وعياً شعبياً بتعاونها المشين مع النظام السابق تخشى معه أن يعاقبها الشعب بحرمانها من أن تجني ثمار ثورة لم تشارك فيها إلا تسلقاً، وهي التي تتوق إلى السلطة بأي ثمن حتى وإن تحالفت مع الشيطان، وفي إطار هذا الخوف وجدنا تحالفات بين عدد كبير من الأحزاب والجماعات على اختلاف مبادئها وبرامجها ليتفق الجميع على هدف واحد وهو الوصول إلى الحكم، وقاموا بإصدار الوثائق التي لا يستطيع أحد أن يُجزم بأنهم سيحترمونها بعد حصول كل منهم على حصته من كعكة الوطن، فهي وثائق غير قانونية وغير مُلزمة، ولا تعدو أن تكون إطاراً للخداع السياسي.
وإذا كانت الساحة السياسية تقريباً خالية من المنافسة التي تستدعي هذا التحالف الغير مُقدس، فمن السهل اكتشاف أنهم يتحالفون ضد الشعب وضد الوطن، وإلا فما الذي يجمع الشامي مع المغربي؟ ولكن أين الثورة من كل هذا؟ إنها موجودة وسيظل نظرها متوجهاً نحو تحقيق أهدافها وستحققها رغماً عن إرادة من يعملون على وأدها، ولولا تأكد الأحزاب الكرتونية والجماعات الانتهازية من ذلك لما سارعوا لهذه التحالفات المشبوهة، ولما تقربوا من المجلس العسكري عملاً على إرضائه لعبور هذه المرحلة الملتهبة بأي ثمن، ولكن الشيء الذي غاب عن ذهن الجميع أن الثورة المصرية التي لم يكن لها رأساً أو قائداً تمكنت من روح الوطن والمواطن، وتم تسجيل يوم 25 يناير في التاريخ بحروف من دماء الشهداء ليس من السهل طمسها، كما أنه ليس من السهل عودة الوطن إلى الوراء. نصيحة للجميع، إن الشعب المصري الآن غير ما كان، فقد نفض عن روحه غبار الخوف والذل والهوان، وأصبح لديه أمل في المستقبل، ومن يحاول حرمانه هذا الأمل عليه أن يتحمل مسؤولية هذه الخيانة الوطنية التي لن تمر بلا حساب، وعلى الجميع أن يأخذ العبرة ويتعلم الدرس، فالشعب أقوى من السلطان مهما طال الزمان. عادل الجوهري محامي مصري المصدرك ميدل ايست اونلاين