أوصى معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله وقال إنها نور القلوب والسبيل إلى خشيته ونيل رضاه ومحبته ، كما دعاهم إلى تأمل عظمة الله وآياته وقدرته وصفاته . وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام "في عَصْرٍ طَوَّقَتِ الإنْسَانَ فِتَنُ المَادِيَّاتِ والنَّظريَّات، واخْتَلَجَتْه عِلَلُ الأفْكارِ والشُبُهات، وأَمْحَلَتْ رُوحَهُ أنْسَاقُ التِّقاناتِ والمَلَذَّات، تَتَبَدَّى قَضِيَّةٌ بَلْجَاء كَفلَقِ الصّبَاح، تبْعث في النّفوس النُّور وَالانْشرَاح، قضِيَّةٌ رَبَّانِيَّةُ بديعة، لَشَدَّمَا هِي عظيمةٌ رفيعة، تلكم هِي عظمَةُ اللهِ وآياته، وقدرته وصِفاته، التي نَرْشُفُ مِنها حَلاوَة اليقين، وبَرْدَ الاطمِئنان، وبِها تُدْرِك أرْواحُنَا مَثُوبَة الرَّحمن، جَنَّاتٍ وأنْهَارَا، وفي الدّنيا أُنْساً بِهِ واسْتِبْشارَا، قال تعالى: ( مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ~ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ) ، قال ابن عباسٍ –رضي الله عنهما-: ما لكم لا ترَوْنَ عظمَةَ الله سبحانه. وقال سعيد بن جُبَيْرٍ: ما لكم لا تعَظّمون الله حَقَّ تعْظِيمه ، إنها عظمة الرَّحمن التي عَطَفَنا إليها القرْآن فَائْتَلَقَتْ سَناً سَطَّاعًا بالهُدَى والإيمان، والنُّور والإيقان، فَسُبْحَانه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ". وأضاف يقول " إنَّ عظمة الله في جلاله وجماله، وقَيُّومِيَّتِهِ وكماله، هي التي أعتقت الإنسان من جهله وغروره، وحَطَّمَت أرْسَان طيْشه وشروره، وسَمَت به إلى أفلاك الحقّ ونوره، كيْف وهو الحَقُّ وقوله الحق، وهو النور، وقوله النُّور ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ". وأوضح أن هذا الكون المشرقِ بآياتِ العظمة والاعتبار، المضمّخ بزَخّار الدّلائل والآثار، ليؤصِّل عظمة الله في القلوب والحنايا، ويقيم بواهرها في الأفئدة والطوايا. وقال الدكتور السديس "ومع البراهين القواطع، والحجج السوَاطع على انفراد الباري بالخَلق والتدْبير، والحكمة والتقدير، فلا مؤثّر في الكائنات والخلائق سِوَاه، ولا رَادَّ لِما أرَادَه وأمضاه، إلاّ أنَّ فئامًا، اعتقدوا في الأيام والأحوال والشهور، فصَرَفَتْهم عن قضاء الأوطار والأمور، ومَا دَرَوْا أنَّ التوحيد الخالص لِلَّه وحْدَهُ لا شريك له، هو جوهر الحياةِ والدِّين، والمَنْهل العَذْب لِكُلِّ مُرْتَوٍ وصَادْ، فأين عظمَةُ اللهِ وقُدْرَتُه، لَدَى السَّحَرَة والمشعوِذين، والدَّجَّالِين والمُنَجِّمين، ومِنَ الذين انْجَفَلُوا إليهم مِنَ الدَّهماء فارتكسوا جميعاً من شامخ اليقين، إلى حضيض الضّلال المهين ، ما عظموه حق عظمته، ولا وصفوه بجليل الصفات، ولا نفوا عنه ما لا يليق به من المحدثات". وأردف معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس يقول " إن الصِّدْقَ مع الله، والأنْسَ بِقُرْبه، لن يَتَوَطَّد ولن يَتَأكَّد إلا باسْتِشعَارُنا لِعَظَمته وجلاله في وُجْدَانِنَا، وحَوَاسِّنَا وأركاننا وخَلَجَاتنا وجَناننا، وأنّه الله: عالم الظَّوَاهر والسَّرَائِر والحَسَنات والجَرائر، فَتَنْزَجِرُ عن الإثم والمُخَالَفَة وتَهْجُر الأوضار والمُجازفة. كم مِن فِئامٍ غَفَلوا عَنْ صَمَدِيّة الله ومَجْدِه، واسْتَدْبَرُوا فَضْلَه ورِفْدَه، وَرَقّت مِنهم القِيَم والدِّيانة، فخانوا الأمَانة، وأضَاعُوا الواجبات، وبَدَّدُوا المسؤوليات، وأقوام تعاطوا المسكرات والمخدرات، ففتكوا بالأنفس فتكا، وهتكوا الحرمات هتكا، ذاهلين عن قدرة الله وعظمته وبطشه، لِأَجْل ذلك ، كانت مَعرفَةُ الله تورث مَحَبَّته ومَهَابَته، وخَشْيتَه ومُرَاقبته. وتسائل فضيلته قائلا " أين جلال الله وعَظمَتُه، وقدسِيَّتُه وقدْرته من الذين أضْرَمُوا لهيب الفضائيات المَاجِنة الخليعة، ومَوَاقع الشّبكات الإباحِيَّة الشّنيعة التي تَدَمْدِم مِنَ المُجْتمعات سَامِق بُنْيانِها، ومِنَ الأُسَرِ رَاسخ أرْكانِها، وتَبُثُّ مِن الفضيلة مَتِين أرْسَانِها، بَل عفّرَت في الرِّغام الأعراض، وطمَسَتِ الحَيَاء والغيْرَة دون امتِعَاض". وأكد أن مُنْتَهى التّعَرُّفِ إلى عظمَةِ الله أن يكون المسلم أسير جَلال الله وجماله، مؤمِناً خاشِعًا، مُتَبَتِّلاً له خاضِعًا، قد أَزْهَرَت روحه بِأنْدَاء الحُبِّ ونَسَائم الرِّضا، وذلك هو الخُضوع الوجدَاني التَّام لِقُدْرَةِ المَلِك العَلاَّم. وأكد امام وخطيب المسجد الحرام أن تعظيم الله جل جلاله وقدره حق قدره في ذاته وآياته وأسمائه وصفاته هو صمام الأمان من الفتن وسبيل الخلاص من المحن، وقال " لا ريب أن ما تنامى في هذا العصر من بوادر الإلحاد وطفيليات الجحود والعناد وموجات التشكيك في دين الله عز وجل والنيل من ذاته العلية ورسالاته السماوية وسوء الأدب في الحديث عن جلال الله عز وجل ومقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتطاول على مكانة خاتمهم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام، وما تذكيه وسائل الإعلام وما تعج به أجهزة التواصل الاجتماعي، كل ذلك من عدم تعظيم الله جل جلاله وقدره حق قدره، ولخطورة الأمر وفداحته على عقيدة الأمة وقيمها وثوابتها فإن الواجب المسارعة في الوقوف ضد تنامي هذه الظاهرة المقيتة، وسن القرارات الدولية الرادعة لها، حتى لا يتجرأ المتهورون على انتقاص الأصول والثوابت، والاستخفاف بالمبادئ والقيم، ولا شك أن مسؤولية الحكومات والعلماء ووسائل الإعلام عظيمة في صد وسائل استنباته، والوقوف أمام ذرائعه ومذكياته حماية للدين والمقدسات، وحفاظًا على أمن واستقرار المجتمعات ". وفي المدينةالمنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ علي الحذيفي المسلمين في خطبته عن ثواب أعمال القلوب وفضلها . وقال فضيلته "إن أعمال القلوب أعظم شئ وأكبر شئ فثوابها أعظم الثواب وعقابها أعظم العقاب ، وأعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ومبنية عليها ، ولهذا يقال .. القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده .. عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ) ومعنى استقامة القلب توحيده لله تعالى وتعظيمه ومحبته وخوفه ورجائه ومحبة طاعته وبغض معصيته". وأوضح أن من أعمال القلوب التي تبعث على الأعمال الصالحة وترغّب في الدار الآخرة وتزجر عن الأعمال السيئة وتزهّد في الدنيا وتكبح جماح النفس العاتية ، الخوف والرجاء , فالخوف من الله تعالى سائق للقلب إلى فعل كل خير وحاجز له عن كل شر , والرجاء قائد للعبد إلى مرضاة الله وثوابه وباعد للذمم إلى جلي الأعمال وصارف له عن قبيح الفعال , والخوف من الله تعالى مانع للنفس عن شهواتها وزاجر لها عن غيّها ودافع لها إلى ما فيه صلاحها وفلاحها , والخوف من الله شعبة من شعب التوحيد ، وصرف الخوف لغير الله تعالي شعبة من شعب الشرك بالله ، قال الله تعالى ((إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)).ومضى فضيلته يقول "لقد كان السلف الصالح يغلب عليهم الخوف من الله عز وجل ، ويحسنون العمل ، ويرجون رحمة الله ، ولذلك صلحت أحوالهم ، وزكت أعمالهم ". وبين أن الخوف المحمود هو الذي يحث على العمل الصالح ويمنع من المحرمات ، فإذا زاد الخوف عن القدر المحمود صار يأس وقنوط من رحمة الله ، وذلك من الكبائر , فالمسلم بين مخافتين ، أمر مضى لا يدري ما لله صانع فيه وأمر يأتي لا يدري ما لله قاض فيه , وأما الرجاء فهو الطمع في ثواب الله على العمل الصالح ، فشرط الرجاء تقديم العمل الحسن والكف عن المحرمات أو التوبة منها ، وأما ترك الواجبات واتباع الشهوات فذلك يكون أمنا من مكر الله لا رجاءا ، وقد قال تعالى (( فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)). وختم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف خطبته مبيناً أن الواجب على المسلم الجمع بين الخوف والرجاء , وأكمل أحوال العبد محبة الله تعالى مع اعتدال الخوف والرجاء ، وهذه حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحال المؤمنين ، مستشهداً بقول الله تعالى (( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)).