إنه "العِطر" وأي عطر يكون غلا سعره أو رخص، شرقيا كان أو غربيا، فهو يُؤدي مهمة جليلة ورسالة واضحة سريعة مع رائحته، وكما تقول الأديبة السابحة في بحيرة الخيال والمشاعر غادة السمان "للعطر لغة خاصة تُربك القلب أحيانا"، وأراها خاصة جدا لا ترتدي الألفاظ ولا معانيها، بل تُخاطب المشاعر على تناقضاتها أحيانا، لتترجمها "أنوف" من المهم أن تكون غير "مزكومة" لأصحاب لهم عقول "غير مزكومة" وإلا فالرسائل ستصل "مزكومة" أيضا! فهناك "عِطر" للنهار ينعش الأبدان ذكورا وإناثا، وهناك "عِطر" للمساء يربك "القلوب" وتتعدد أذواقه بتعدد المناسبات، فلكل مناسبة في ذوق زائرها "عِطر" يكون بمثابة رسول له يعبر عما في "الباطن"، إلا أن عِطر "الغزل" فيه كلام وكلام وكلاااام، يجعل المرأة أكثر جمالا حينما تضعه كي تُغازل رجلها دون أن تتحدث بكلمة، وهو في عينها يكون كذلك من عطره، ولهذا فإن "العِطر" من أجلّ الهدايا وأعظمها حين يقدمها الرجل للمرأة أو العكس، إذ يختصر لغة الكلام والكثير من المسافات والحكايات والمشاعر عبر "رائحته" الزكية، وكم تشعر المرأة بالرقة ويغمرها شعور بنبل مشاعر المرسل حين تأتيها هدية من رجل مع الحب! لكن فيما يبدو أن غرضا جديدا ومبتكرا من إهداء العطور للنساء، وهو "الوعظ والنصح والدعوة" كما فعل أحد الدعاة، ممن عُرف بتشدده الديني خاصة فيما يخص قضايا المرأة، فيما يحرض الشبان المتحمسين على الذهاب إلى الجهاد في ساحة يقتل المسلمون بعضهم بعضا بسبب طائفيته، بينما ينعم أولاده بكنفه وحضنه، ويذهب إلى صيف لندني ممتع، كل ما يثيره هذا الداعية ليبقى في دائرة الضوء، آخر ما قام به أنه أهدى مؤخرا عطرين إلى مذيعتين رقيقتين في قناتين، الأولى: يتهمها بأنها "صهيونية" والأخرى: يزعم أنه مقاطع لها بسبب فسادها، رغم أنه كان يوما له برنامج في قناة تعرض برنامج "هزي يا نواعم" -مسابقة في الرقص الشرقي- لم يرفض العمل بها!! أعود ل"عطر" الوعظ والدعوة للنساء الجميلات، تسبقها رسالة رقيقة "مع الحب والتقدير الصادق.." وهذا النوع من الإهداء يضيف معنى جديدا للعطر كما أضاف للتفاح ابتكارا في التاريخ، لكني أتساءل: أليس مثله وبما عُرف به خطابه يعتبر أن المرأة التي تتعطر ويشمها الرجال كما هو "الزنا"! وهل سيتحمل هذا الذنب حين تستخدم الجميلات عطره "الهدية"! أم أننا نفهم هنا بجواز تعطر المرأة وليس عليها ذنب ولا من أهدى لها عطرا! لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه وقد أوضح مكتبه أن الشيخ الواعظ أرسل هذه الهدية ل100 من الممثلات والممثلين والمذيعين والمذيعات! تُرى أين ال98 المتبقين من ال100 الذين قبلوا هذه الهدية!؟ والأهم هل يا ترى بنات بلده كان لهن منها نصيب..أم هنّ ممن خارج السرب!؟ أخيرا، ولا أعرف إن كنتُ أسخر فعلا، لكن لا يأتي الشيخ الواعظ وأتباعه بعد اليوم ويقولون "عيييب" للرجل الغريب الذي يهدي امرأة غريبة عنه قنينة عطر! ففي الأمر كما يبدو مما فعله الشيخ فُسحة، مبتعدا عن باب "سد الذرائع" الذي استخدم كثيرا للتضييق على الناس، أليس كذلك!