تحقيرُ الدُنيا مغرم ، وتعظيمُ الآخِرة مغنم ، فلا تَقِرُّ عينُ أحدٍ بتعظيم الدنيا ، فتعظيمها بلا انتفاع ، وتحقيرها إمتاعٌ لصاحبها . قال الفضيل بن عياض – رحمهُ الله- :[ ما رأيتُ أحداً عظَّم الدُنيا فقرَّت عينهُ فيها ولا انتفع بها ، وما حقَّرها أحدٌ إلّا تمتَّع بها ]. نتساءل : ما مقام الزُّهد والرِّضا لدى المُسلم ؟! عند العطاء يقبل ، وعند المنع يرضى ، وعند الترك يعبد ، وعند الدُّعاء يُجيب … قيل ليحيى بن مُعاذ – رحمه الله- :( متى يبلغ العبد مقام الرِّضا ؟! فقال: إذا أقام نفسهُ على أربعة أُصول فيما يُعامل بهِ ربَّه ، فيقول: إنْ أعطيتني قبلت ، وإنْ منعتني رضِيت ، وإنْ تركتني عبدت ، وإنْ دعوتني أجبت ). فما أجمل الرِّضا ، يقول سُفيان الثوري:( ارضَ بما قسم اللهُ تكُنْ غنيَّاً ، وتوكَّل على الله تكن قويَّاً ) ، فبالرِّضا تكون غنيَّاً ، وبالتوكُّل تكون قويَّاً. ولا ننسَ أنَّ القناعةَ أوَّل الرِّضا ، والراضي لا يتمنَّى فوق منزلته ، والزاهد لا يُشارك الحمقى في جهلهم ، فهذا إبراهيم بن أدهم – رحمه الله- يقول:[ إنَّما زَهِدَ الزاهدون في الدُنيا اتِّقاء أنْ يُشاركوا الحمقى في جهلهم]. وبالتحقُّق ما بين إدبار الدُنيا ، وإقبال الآخرة ما قاله علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- إذْ يقول:[ إنَّ الدُنيا أدبرت ، وإنَّ الآخرة أقبلت ، فكُونُوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدُنيا) ، فليس للمؤمن في الدُنيا دولة ، وإنَّما دولتهُ في الآخرة !! والغنيمةُ الغنيمة في الطاعةِ والبِرِّ والعصيان ..طاعةُ الرَّب ، وبِرَّ الوالدين ، وعصيان الشيطان كما قال ذلك يحيى بن مُعاذ – رحمهُ الله- وهذا ابن المُبارك- رحمهُ الله – يقول:[ اغتنم ركعتين زُلفى إلى الله إذا كُنت ريحاً مستريحاً ، وإذا هَمَمْتَ بالنُّطقِ في الباطل؛ فأجِّل مكانهُ تسبيحاً]!! عليكم بالزُّهد في الدُنيا ، فإنهُ يُهوِّنُ عليكم المصائب ، ولن يصيب المؤمن حلاوة الإيمان حتَّى يزهد في الدُنيا ، فلنجعل قلوبنا في الدُنيا فارغةٌ منها ، وعلى قدر رهبة العبدمن الله ، على قدر علمه بالله ، وزهادتهُ في الدنيا على قدر رغبتهُ في الآخرة.