آيات المُنافقين والمُنافقات كُثُر في القُرآن الكريم ، ولم تكن كذلك إلّا لأنهُم كذلك ، وقد حذَّر القرآن المؤمنين من الوقوع في دائرة النِّفاق ، يقول مالك بن دينار- رحمه الله- :( أُقسِمُ لكم، لو نبت للمنافقين أذناب ما وجد المؤمنون أرضاً يمشُون عليها). لقد حذَّرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – من الوقوع في هذه الدائرة ( دائرة النفاق) ، إذْ قال : أربع مَنْ كُنّ فيه ، كان مُنافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهنّ ، كانت فيه خصلة من النفاق حتّى يدعها : إذا اُؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر). إنَّ تقويةَ إيمان المُسلم تكون بالإكثار من قراءة القرآن الكريم ، والحرص على قيام الليل ، والتفكُّر في عظمة الله عزَّ وجل ، وقُوَّةُ الرقابة الداخليَّة. قال الفضيل بن عياض – رحمهُ الله – :( كلام المُؤمن حِكَم ، وصمْتُهُ تفَكُّر ، ونظرهُ عبرة ، وعملهُ بِر ، وإذا كُنت كذا ؛ فلم تزل في عبادة). وقال الحسنُ البصري – رضي الله عنه- :( إنَّ المؤمن جمع إيماناً وخشية ، والمُنافق جمع إساءة وأمناً ) ، وقد قيل: من أمِنَ العُقُوبة أساء الأدب ، هذا في التعاملات اليومية مع بني البشر ، فما بالكم مع خالق البشر ! وقال – رضي الله عنه- في إشارة واضحة أنَّ المؤمن يقيِّم نفسهُ باستمرار :( لا تلْقى المُؤمن إلّا يُحاسب نفسهُ ، ماذا أردتِ تعملين؟! وماذا أردتِ تأكلين؟! والفاجر يمضي قُدُماً لا يُحاسب نفسه). قال أردنت:( النفاقُ أسوأُ الشُّرُور ؛ لأنَّهُ يستطيع الاختباء وراء النزاهة .. وفي هذا الكلام تبيان أنَّ المُنافق يختبئ في عباءة المؤمن. وقال جوف ميلتون:( النفاق هو الشَّرُّ الوحيد الذي يمشي دون أنْ يراهُ غيرُ الله). وحينما كان المُنافقُ مُؤمن عاصي ، فإنَّهُ وصل إلى درجة الفسوق ، قال تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم إنَّ المنافقين هُم الفاسقون) 67 التوبة. وبشَّرهُم الشارع بقوله تعالى:( بَشِّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً)138 النساء. وأنه سبحانه وتعالى يجمعهم – الكافر والمنافق- في جهنّم ، إذْ يقول:( إنَّ اللهَ جامعُ المنافقين والكافرين في جهنّم جميعاً) 140 النساء. وقد شَهِد عليهم ربُّ العِزة والجلال أنهم كاذبون ، حين قال:( واللهُ يشهدُ إنَّ المنافقين لكاذبون) 1 المنافقون. وهي صفة من صفات المنافقين ! يقول الحسن البصري – رضي الله عنه- :( المؤمن في الدنيا كالأسير ، يسعى في فكاك رقبته) ، وقال أيضاً ( المؤمن الكيِّس الفطِن ، الذي كُلّما زادهُ اللهُ إحساناً ازداد من اللهِ خوفاً). بينما المنافق يتصنَّع السلوك الحسن ، والرياء وحُب السمعة ، ويصد عن سبيل الله بشتّى الوسائل ، وخائِنٌ للأمانة ، والكذب في الحديث ، ويُخلف الوعد ، ويبغض المسلمين ويكرههم ، ويُقدِّم هوى نفسهِ على أحكام الشرع ، ويُحبُّ الصيت ، قال مالك بن دينار – رحمهُ الله- :( من علامات المُنافق : يُحِبُّ أنْ ينفرد بالصيت). وأكّد مالك ( لا يصطلحُ المؤمن والمنافق حتّى يصطلح الذئب والحمل)… والله مُطَّلِع ، ويعلم سِر المؤمن والمنافق ، قال تعالى:( وليعلمنَّ اللهُ الذين آمنوا وليعلمنَّ المنافقين) 11 العنكبوت. ولكن اللهَّ تعالى جعل مشيئتهُ في تعذيب المنافق ، أو التوبة عليهم ، في قوله تعالى:( ويُعذِّب المنافقين إنْ شاء أو يتوب عليهم) 24 الأحزاب.