يتمتّع كُل إنسان بأربع هبات : الوعي بالذّات ، والضمير الحي ، والإدارة المستقِلَّة ، والخيال الإبداعي الواسع، وكُلُّ هذهِ الهِبات الأربع تُعطينا الحُرِّيَّة الإنسانيّة المُطلقة : القُوَّة لأنْ نختار ، وأنْ نستجيب ، وأنْ نتغيّر. إذن نحنُ أمام اختيار واستجابة وتغيُّر! فهناك مساحة بين المُحفِّز والاستجابة ، وفي هذه المساحة تكمن حريتنا وقوتنا لأنْ نختار استجاباتنا ، وفي هذه الاختيارات يكمن نضجنا وسعادتنا. وفيما يتعلّق بالإرادة المُستقلّة ، فهي قدرتنا على التصرُّف ، وهي التي تمنحنا القُوّة لأنْ نتخطّى تصوراتنا ، وأنْ نسبح ضد التيّار ، وأنْ نغيّر كتابة سيناريوهات حياتنا ، وأنْ نتصرّف وفق المبدأ وليس العاطفة أو الظروف التي نمر بها … ولعلّ المبادىء من الثوابت الثلاث ( التغيير ، والاختيار ، والمبادىء)، فهو فكر أساسي تُبنى عليه أفكار وأصول وغرائز في الفرد نفسه ، وفي طبعه منذ خلق الله آدم. والمبادىء دائماً ما تكون في صِراع مع النفس البشريّة ، ونوازعها الشهوانيّة ، فهي تُؤثِّر في سُلُوكهِ وشخصه، وتعامله مع غيره ، بل وتتفاضل بها وفيها الأُمم والشُّعُوب. أمّا التغيير ، فالحياة لم تُخلق للثبات ، وإنما ديدنها التغيير ، فكل شيء في هذه الحياة متغيّر إلّا التغيّر ، فهو ثابت. يقول الفيلسوف الإغريقي هرقليط:( كل شيء يتغيّر إلا قانون التغيّر ، إنّكم لا تهبطون نهراً بعينهِ مرتين كُل ثانية …)، فالتغيير يُجدِّد الحياة كركود الماء ، وتحوّله من صافٍ إلى آسن . تقول جايل تشيلي في التغيير :( إذا لم نتغيّر فلن ننمو…). وكما يقولون : جمالُ الحياةِ في تغيراتها؛ لأنهُ يكمن وراء التغيير أشياء ثمينة وغاية في الروعة لا يكتشفها إلا من يبحث عنه . قال تعالى:( إنّ الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يُغيِّرُوا ما بأنفسهم). إنَّ في التغيير مُتعة ، وفي التنوّع نمو ، وفي التعدد تطوّر ، وفي التجديد وقاية من الركود والكدر. فلولا الليل ما عرفنا النهار ، ولولا السّقم ما عرفنا الصحّة ، ولولا الفقر ما عرفنا الغنى ، وهكذا دواليك. يقول الرافعي:( لا تتم فائدة الانتقال من بلد إلى بلد إلّا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور آخر ، فإذا سافر الهم فأنت مُقيم لم تبرحْ)! وللعودة إلى الاختيار ، فإن الإنسان مُخيّر في أفعاله ، لا مُجبر عليها ، فإنّ أوّل درجات الاختيار هو الفِكر الذي يُحرِّك مشاعر الاختيار ، وهي بدورها وقود السلوك ، فمن يُخترْ بداية الطريق ، يخترْ عاقبته. يقول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- :( وأعمالُ القومِ في عاجلهم نصب أعينهم في آجالهم ، فليختر الإنسان آجله من خلال ما يقوم بهِ في عاجله). أمّا جاك كانفيلد ، فيقول:( في الحياةِ ليس هُناك ما أنت مُضطر إلى فِعْلِه ، فكُلُّ شيءٍ في الحياة إنّما هو اختيار). الإنسان قادر على توسيع خياراتهِ من خلال توسيع دائرة فكره ، وإنّ ما يُؤلمنا ليس ما يحدث معنا ، وإنّما استجاباتنا لما يحدث ، فسُلوكنا تابع لقراراتنا ، لا لظروفنا! فلنكنْ أقوياء في اللحظات الصعبة ، كي نُروِّض اندفاعاتنا ، ونحوّلها إلى قِيمة تُمثِّل جوهر الشخص المبادر، فأنا لست نتاج ظروفي ، ولكنني نتاج قراراتي.