عبدالمحسن محمد الحارثي عادةً ما تعتقدالنفس الكمال في من غلبها ، فتجدها تنقاد إليه ، إمَّا لنظرةٍ بالكمال فيه ، أو مسايرته حتّى يقضي اللهُ أمراً كان مفعولا. إنّها التبعيّة المقيتة ، ولكنّها أحياناً تكون بمثابة القتال خُدعة ، وقد تكون على طريقة ؛ مُجبر أخاك لا بطل . إنّنا عندما نستعيد حضارتنا الإسلاميّة لم نرَ فيها مُفردة التبعيّة ؛ لأنها أُمّة كانت رائدة ، لم تكن تخضع يوماً من الأيّام لِسِنان أو لِسان ، فكانت بحق أُمّة تتماهى فيها مكامن القوّة والعزّة والإرادة. إنَّ بقاء الحال من المُحال ، فكم من إمبراطوريات سادت ثُمّ بادت ، إنّهُ الإخبار عمّا سيحدث مُستقبلاً ، الذي حذّر منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في حديث (… لتتَّبِعُنَّ سُنن من كان قبلكم…) وهم بلا شك اليهود والنصارى ، وعن اتباع قوى الاستكبار الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون. لقد كان للبُعد الاقتصادي ، والبُعد التكنلوجي ؛ الأثر الواسع واحد على حساب الآخر ، فكانت التبعيّة تتجلّى في اتباع المغلوب للغالب . إنّ الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسيّة إذا اجتمعت في كيان ؛ أعطتهُ القوّة على استلاب المغلوب وبقوّة ناعمة! ولم يكن المغلوب يوماً راضياً ، بل يُحاول كسر هذه التبعيّة ، والتحرر من هيمنة الغالب ، لكنّ تفتيت المُفتّت ، وتقسيم المُقسّم ؛ حال دون الانفلات من عُنق التبعيّة ، بل أصبح الأمر يدور كلٌّ في فلكٍ يسبحون ، فلا الشاطر ينجو ولا المشطور ينمو وكلاهُما من المغلوب ، فأصبح الغالب يلعب في جميع الأفلاك دون حسيب أو رقيب ، وأصبحت سُلطتهُ تُمثِّل التبعيّة بالإجبار لا بالاختيار ، فكانت الأمّة المغلوبة تحلم بالاستقلالية إلا أنّ تكريس التبعية الناعمة من قبل الغالب قد أوثقت حبالها ، وجوّدت أوتادها. إنّ من أهم أبجديّات العمل السياسي ، هو مزج السياسة بالصداقة ، وغالباً ما يكون خاتمةً للصداقة حتّى ولوكانت هذه السياسة من الغالب ، الذي يظفر بأموال الأغنياء ، والتأييد من الضُّعفاء ؛ بِحُجّة حماية الغالب للمغلوب! وأسوأُ شيءٍ في السياسة : الشروع في عملٍ وعدم إتمامه ، كما قال نابليون. وأخيراً ..وراء كُل انتصار يُحققه الغالب أو المغلوب نُضج سياسي ، فيجب التعامل مع السياسة بمنطق الحساب ، لا بمتطق التفاؤل والتشاؤم! يقول الشاعر: لِكُلِّ مطيّةٍ رجُلٌ يسوس ..وكُلُ قضيّةٍ ولها رُؤوسُ وفي بحر السياسةِ كان أهلاً.. أمن استهوتهُ للعدلِ النفُوسُ.