عبدالرحمن حسن جان* إنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيدو يظهر فيه طفلٌ كان والده يصوره ويبلغه أنه لم ينجح في اختبار نهاية العام الدراسي ، فبدى على ملامح ذلك الطفل أنه كان مفجوعاً مما سمع من والده والذي طلب منه زيادة على ذلك أن يستلقي بوجهه على الأرض ليقوم بجلده عقاباً له على رسوبه ، وبعد أن فعل ما أمره به ، أخبره أنه ناجحٌ وأن ذلك كان مقلباً منه ، فكانت ردت فعل الطفل أنه إنفجر باكياً إضافة إلى ذلك قام بتوعد والده وتهديده بأنه سوف ينتقم منه ويعمل له مقلباً مشابهاً مستقبلاً . بدايةً أقول ما تأثير هذا المقطع المنتشر في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي على نفسية هذا الطفل ، وقد شاهده أقاربه وزملائه وجيرانه وأصدقائه وهو في تلك الحالة ، ولكم أن تتخيلوا أنه كان ينتظر نتيجته بفارغ الصبر بعد أن جَدَّ واجتهد طوال السنة الدراسية ليحصد النجاح ويشعر كغيره من الطلاب بالفرح ولكن بعد هذا التصرف الخاطيء من والده هداه الله لم تعد لفرحته طعم ولا معنىً أو كما يقال قد قتلت فرحته ، وإني أكاد أجزم أن والده كان فرحاً جداً لنجاح ابنه ولم يكن ينوي قتل الفرحة لديه ولكنه أراد ممازحته ، ولكن ما كل فعل يطلق عليه مزاحاً أو مقلباً فبعض المزاح والمقالب تكون قاتلة ولا تجوز شرعاً . وقد كان لدار الحماية الاجتماعية موقفاً تشكر عليه حيث قامت بمباشرة الحالة وأخذت للطفل شهادة النجاح ، والتعهد اللازم على والد الطفل بعدم تكرار فعلته تلك ، فلا شك أن هذا التصرف يعتبر من العنف الأسري الذي تتعامل معه بعض الدول بسحب الطفل المعنف من والديه نهائياً مهما كانت جنسيته ويودع في دار الحماية وذلك وفقاً لقوانين الدولة . غضب معاوية على يزيد فهجره ، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا أكبادنا، وثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة. إن غضبوا فأرضهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك. وذكر الدكتور بدر هميسه أن الآداب التي يتعامل بها الإنسان مع الناس في كبره هي صدى مباشر لما تعلمه في صغره . فماذا ننتظر من طفل عودناه منذ الصغر أن يطلب ما يطلب بأدب ؛ فيقول " من فضلك أعطني كذا " ولمن أعطاه يقول : جزاك الله خيراً ، أو شكر الله لك ، وإذا أخطأ تأسف واعتذر فماذا انتظر منه حينما يكبر ، إن ما نراه في الناس من سوء خلق وندرة أدب ، وجفاء في المعاملة ، لهو نتيجة طبيعية لسوء التأديب في الصغر . ورسولنا الكريم حينما كان يقبل الأطفال ويحنو عليهم ، كان يهدف من ذلك : غرس خلق الرحمة في نفوسهم ، وهذا الأعرابي الذي لم يعجبه تقبيل النبي لصبيانه فاستفهم متعجباً ومستنكرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة " البخاري : الأدب المفرد ص 35 . وفى رواية لأبى هريرة أن صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت فيهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " من لا يرحم لا يرحم " . البخاري : الأدب المفرد ص 35 . لذا فقد كان صلى الله عليه وسلم كلما مر بصبيان هش لهم وسلم عليهم. إنه الأدب النبوي الرفيع في التأديب والتهذيب . *أخصائي أول اجتماعي