بقلم_ عبدالمحسن بن محمد الحارثي حُسنُ الأدب في الخطاب والقول من أبجديات التشريع القرآني ، لقوله تعالى:( * وقولوا للناسِ حُسنا*) ولأنّ الشيطان ينزغ بين المخاطبين، كما جاء في الآية التالية بصورة الأمر( قُلْ) وصورة التوكيد( إنّ الشيطان) إذْ قال تعالى:( *وقُلْ لِعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم*) *لقد أحسن إبراهيم – عليه السلام- حوارهُ مع أبيه فكان قُدوة يُحتذى به ، في قوله تعالى:( *يا أبتِ لِمٓ تعبدُ ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئا*) فقد *بدأ *إبراهيم بكلمة لطيفة وبإسلوب النداء ؛ ليستميل قلب أبيه ( يا أبتِ) انظر كيف رتّب الكلام مع أبيه في أحسن نسق، وساقه برشاقة الحُكماء ، في الوقت الذي حاور وجادل بلطف ورفق ولين والأدب الجم والخلق الحسن. * وثنّى* بدعوته إلى الحق، * وثلّث* بتثبيطه ونهيه عمّا كان عليه ، * وربّع* بتخويفهِ سوء العاقبة… ولكنّه لم يصرّح بسوء العاقبة ، بل قال:( * أخاف أنْ يمسّك عذاب*) فذكّر الخوف والمسّ ، ونكّر العذاب. كما أنّ اتباع أُسلوب الحكمة بالجدال بالّتي هي أحسن مبدأ قُراّني ، يقول تعالى:( ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن ). وكان من الهدي النبوي تجنّب الدخول في خِصام ولجج وجدل عقيم، بعد بيان الحجّة. فهذا أبو إبراهيم – عليه السلام- يقفُ موقفاً مُتصلِّباً قائلاً:( أراغبٌ أنتّ عن آلًهتي يا إبراهيم لئن لم تنتهِ لأرجمنّك وأهجرني مليّا). لم يستطرد إبراهيم مع أبيه أمام هذا العناد، ولم يدخُل معهُ في خِصام، بل أنهى الحوار نِهايةً أبان فيها حِرصهُ على أبيه من دون الدُّخول معهُ في لججٍ وخُصومة:( قال سلام عليك سأستغفرُ لك ربّي إنّهُ كان بي حفيّا). وعادةً ما يغلب على الحوار المنازعة والمُغالبة.. فهذا إبراهيمُ – عليه السلام- نرى وبوضوح دخوله في حِوارهِ لأبيه من مدخلٍ عاطفي وجداني يبين فيه حبّهُ لأبيه، وحرصهُ عليه.. فصدر حوارهُ بتلك الكلمة الحانية( يا أبتِ) وهو استخدام الجانب الوجداني ، وأثره الفعّال في الوصول إلى عاطفة الطرف الآخروإقناعهِ. وكُل ذلك يُمثّل قِمّة السؤال: ( بمن نقتدي وفيمن نهتدي؟)