أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله والخوف والخشية من عقابه , مذكراً في مقدمة الخطبة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بالتدبر , قائلاً : " جادة النجاة قليل سلاكها , والقلوب الغافلة مخوف هلاكها , فمل للقلوب لا تتدبر؟ , وما للأبصار لا تتبصر؟ , أغرتها أمالها ؟ , أم على قلوب أقفالها ؟ , إن الله لم يخلق الخلق عبثا , ولم يتركهم سدى , كلا ثم كلا . فوربكم لتسألن عن الرسول ومن أرسله , وعن القرآن ومن أنزله , وعما اجترحه ابن ادم في الدنيا وعمله : (فَلَنَسْئلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا َ يَظْلِمُونَ(9) ) الأعراف 6 . وقال معاليه: " معاشر المسلمين إن من سنة الله في البشر اختلاف أذواقهم وفهومهم , وإدراكاتهم , وحدة طباعهم , وهدوئهم وذكائهم وقناعاتهم فلكن إنسان قناعته , ورؤيته , وفهمه وإدراكه فلا يحجر عليه ولا يجبر على تغيير مفاهيمه , وما يصلح لهذا قد لا يصلح لذاك , وإن من عباد الله من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقره الله لكفر , وإن من عباد الله من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغناه الله لبطر . واكد معالي الشيخ "أن اختلاف الناس ليس اختلاف تفاضل وتمايز بين أعراقها وقبائلها وطبقاتها , ولكنه اختلاف من اجل المنافع وتعدد طرق المعرفة والثقافة والتسابق في الخيرات , وأن الانسجام والتعايش شعور داخلي جميل في النفس الإنسانية وهو ينطلق من الأخوة وصلاح النفس وسلامة الصدر والمساواة والمحبة والتواصي الحق والتواصي بالصبر والمرحمة , والمساواة بين الناس ليست مساواة تماثل , بل مساواة تكامل , مساواة تنفي العصبية , والحزبية , وحمية الجاهلية , وتؤكد السمع والطاعة ولزوم الجماعة وعدم الخروج عليها . وأردف معاليه قائلا "إن الاسلام يسع أهله كلهم لسعته وسماحته عاشوا في كنفه وتعايشوا على أرضه القرون تلو القرون وإن الجفاء والتباعد النفسي والاجتماعي هو الذي يقضي على الوحدة وينبذ التعايش , والعاقل المنصف من اغتفر قليل خطأ أخيه في كثير صوابه , فلا يبخس الناس حقوقهم ولا أشيائهم , بل يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به ,والقول الحسن والتعامل الحسن لا يتوقف على دين أو مذهب , بل هو حق لكل الناس وقولوا للناس حسنا ) البقرة 83 . وأضاف معاليه : أن الوسيلة في ذك الرفق , والإنصاف , والحب , والابتسامة , وحسن الظن , وطيب القلب, وسلامة الصدر , والاحترام والتقدير , والحياة قائمة على الزوجية والثنائية , وليس الأحادية والفردية , وتسوية الناس بفكر واحد خلاف سنة الله , وأن الحوار هو للتعارف والتعايش والتفاهم ومزيد من الثقافة , وليس للإلزام والإقناع ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات 13. وقال الشيخ صالح بن حميد : إن وحدة الصف واجتماع الكلمة غايات مطلوبة في كل حين , وهي عنوان قوة الأمة وسر حفظ البلاد ولكنها في هذه الظروف التي يتربص بها الأعداء ويتطاول فيه المغرضون تكون أشد إلحاحا وأعظم حاجة , فيجب على كل مسؤول آيا كانت مسؤوليته أن يتأمل في الأوضاع ويعيش الواقع ويستوعب النوازل المحيطة وبخاصة في هذه البلاد المباركة القائمة على شرع الله الرافعة لراية التوحيد وأن يلتزم بكل ما يؤكد روابط الوحدة وتلاحم المجتمع بعيدا عن المزايدات . واختتم معاليه الخطبة : محذرا بالابتعاد عن كل نقاش أو مسائل لا تناسب المرحلة , والبعد عن إثارة ما يفسد ولا يصلح ويفرق و لا يجمع , باعث ذلك حسن التدين , والحب , والإخلاص , والعقل والحكمة , والغيرة على الدين , والوطن , والأهل , حرصا على المصلحة العامة , واجتماع الكلمة , والالتفاف حول القيادة , وإغاضة العدو المتربص . حفظ الله البلاد والعباد وأعز الإسلام و أهله ورد كيد الكائدين في نحورهم .