أثناء رحلتي لدار الرعاية الاجتماعية كنت قلقة جداً و أن كيف أن التقي بهن جميعاً لكن لم يخطر ببالي أنني سألتقي بهن وأحادثهن كأي سيدة أخرى. تخيلوا معي قليلاً! أن الفرق الذي بينهم وبين سيدات العالم الأخريات بأنهن ولدن وتعبن في تربية ذلك الطفل وعندما شاب وأشغلته الدنيا بملذاتها نسي قطعة اللحم الذي تنقصه بجسده وأنه متيقن تماماً بعدم قدرته على رعايتها… عندما أتوا بهن نظرت إليهن واحدة تلو الأخرى أبحث بأعينهن مافقدوه وأتابع نظراتي إلى أن أتت "خالة نورة" دخلت قلبي من أعماقه وإني أرى في عينيها والدتي لا حرمني الله منك ياغاليتي. "خالة نورة" تعاني من ارتفاع وانخفاض ضغط الدم بشكل مستمر وأنها تعاني مثل ماتعاني منه والدتي فقط الفرق بينهم بأن لها أبناء تركوها بدار رعاية وأهملوا حبها وعطفها وحنانها التي تقطع قلبها عليهم وسهرها المتواصل من أجل راحتهم .. ألاحظت بأن ماتفكر به "خالة نورة" أعياها!! أأعجبك ذلك أيها الغريب الشبيه بطفلها! سبحان الله رغم حزنها وهمها إلا أن الجميل هنا "خالة نورة " تنسى ما أتعبها وأشقاها بالرقص والغناء والموسيقى وحضور الزوار للدار… فجأة قررت بأن أصبح الممرضة البديلة في ذلك اليوم وأسعدها بأي شكل كان لزوال مايضايقها .. قف هنا لحظة وتذكر وتمعن جيدا في قوله تعالى :' {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}.. (23) سورة الإسراء يروي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم وهو يشكو إليه عقوق ولده فقال: يا رسول الله كان ضعيفا وكنت قويا، وكان فقيرا وكنت غنيا، فقدمت له كل ما يقدم الأب الحاني للابن المحتاج, ولما أصبحت ضعيفا وهو قوي وكان غنيا وأنا محتاج, بخل علي بماله،وقصر عني بمعروفه، ثم التفت إلى ابنه منشدا: غذوتك مولودا وعلتك يافعا تعل بما ادني إليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكوى لم أبت لشكواك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به وعيني تهمل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدي ما كنت منك اؤمل جعلت جزائي منك جبها وغلظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فاوليتني حق الجوار ولم تك علي بمال دون مالك تبخل فبكي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكي, ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك. الكاتبة – معاني درويش