تمثل الفنون الشعبية والتراث الثقافي أهمية خاصة في كونه، يعكس العديد من مظاهر الحياة والجوانب الاقتصادية والثقافية والفكرية للمجتمع. كما أن هذه الفنون تعبر عن حياة الفرد وعاداته وتقاليده في الأفراح والأتراح التي كانت ومازالت موجودة حتى اليوم. في الغالب لكل فرقة من الفرق الشعبية في المملكة، رئيس متطوع كبقية الأعضاء، ويكون في الغالب، الأكبر سنا، مهمته تجميع أفراد الفرقة عندما تكون هناك مشاركة معينة، سواء في المناسبات الوطنية أو الاجتماعية، وقد يكون هذا المسؤول من المؤسسين للفرقة، أما في الماضي فقد كان المسؤول هو الأمير، كما أنه لكل فرقة مدير أو أكثر يتولى المسؤولية الفنية والتنظيمية. ومن الأمور المتعارف عليها، أن لكل فرقة من الفرق الشعبية شاعر أو أكثر ممن يمتلكون موهبة ارتجال الشعر النبطي الذي بلائم المناسبة التي تؤدى فيها هذه الفنون، والذي عادة ما يحفظ الكثير من المأثور من غناء السلف القديم المتوارث عبر الأجيال، فيما يتبادل أفراد الفرقة الهواة فيما بينهم قرع الطبول التي تصاحب ما يمارسونه من فنون تقليدية، حيث تعد هذه الطبول ملك أفراد الفرقة، ويعتبر مسؤول الفرقة الشعبية ونوابه والشعراء والطبالون والمغنون والمشاركون من أهم المصادر التي تساهم من خلال الممارسة في نقل المعلومات الخاصة بحصر الفنون ومعرفة تقاليد أدائها والمناسبات التي تؤدى فيها وصلات الشعر التي تعني في كل منها وأنغام وإيقاعات كل نمط من أنماطها، ويتخذ أفراد الفرقة من أداء الفنون الشعبية التقليدية مصدرا للرزق، سواء كان المصدر الوحيد أو قد يكون تكميليا يعينهم على مطالب الحياة، حيث تدعى الفرقة عن طريق رئيسها والمتصرف في شؤونها لإحياء الأعراس أو المشاركة في المهرجانات والاحتفالات الوطنية. إن معظم الفرق الشعبية في المملكة لا تزال -في رأيي- بحاجة إلى جهة رسمية فاعلة لرعايتها والإشراف المباشر على تنظيمها ورعايتها ودعمها وتطويرها وإبرازها على المستويين المحلي والعالمي، وذلك من خلال تفعيل دورها وتطويرها ورصد وتسجيل مختلف الفنون الشعبية في مجالات الأدب الشعبي والموسيقى والأغاني، والمشاركة في المهرجانات وإقامة الندوات والمحاضرات في مجال الأدب والفنون والتراث الثقافي الشعبي، حيث تعتبر الفنون الشعبية في المملكة جزءا من التراث التقليدي الواسع والمتوارث عبر الأجيال المتعاقبة، والذي يتمثل في الأهازيج والرقصات والإيقاعات والأشعار والأغاني ذات الصبغة المحلية، والتي تحكي قصة الإنسان السعودي واعتزازه بأرضه، مدعوما بعاداته وتقاليده العريقة وانتمائه وهويته. إن الفرق الشعبية رغم وجود العديد منها في المملكة، ومشاركاتها الفاعلة المبدعة في المناسبات الوطنية، ومحافظة عشاقها على استمرارها، إلا أنها لا تزال ضائعة بين مرجعيات متعددة (وزارة الثقافة، هيئة التراث والسياحة،هيئة الترفيه،وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون..الخ) وتقوم على جهود فردية اجتهادية متواضعة جدا، تنقصها الإمكانيات المادية والتنظيمية التي تجعل عملها مؤسسيا ومنظما، مما يتطلب أن تقوم الجهة الرسمية -المفترض أن تكون هي المعنية بالتراث الشعبي وكياناته- بتنظيم عمل هذه الفرق الشعبية والإشراف عليها ودعمها ماديا ومعنويا ليصبح عملها مؤسسيا، وليكون لها دور أكبر في الترفيه ونشر وإحياء التراث والمحافظة عليه من الاندثار. نختم بالشكر الجزيل لفرقة الفنون الشعبية بمحافظة الدلم، التي قامت ولا تزال من أكثر من سبعين عاما تقريبا على جهود فردية، ومثيلاتها في جميع أرجاء الوطن، حيث لا تزال هذه الفرقة تقدم بإبداع يتواريه الأبناء جيلا بعد جيل، وتشارك بفاعلية في المناسبات الوطنية، ولعل أخر مشاركتها يوم أمس في حفل افتتاح مهرجان الجنادرية 32. بقلم د.هلال محمد العسكر