"سميرة" فتاة كانت تحلم بأن تصبح "أُمًّا"، ولكن لم يكتب لها الله الحَمْل، وبعد مرور سنتين على زواجها لم تتوجه إلى المستشفيات لتشخيص حالتها بشكل طبي دقيق لمعرفة الأسباب، التي ربما تكون بسيطة، بل فضلت طَرْق أبواب محال "العطارة" بحثًا عن خلطات علاجية سريعة لتحقيق أمنيتها بإنجاب طفل، يدخل السعادة على حياتها، إلا أنها لا تعلم أن الطريق الذي اختارته للعلاج ما هو إلا بداية عقم، قد يحرمها الإنجاب مدى الحياة! "سميرة" ما هي إلا غيض من فيض لعشرات الرجال والنساء، ممن يبحثون عن العلاج من خلال باعة الوهم و"دكاكين الموت"، الذين يروّجون لأنفسهم بدعاية كاذبة، كسرعة الإنجاب والإجهاض والرشاقة والتخسيس وعلاج أمراض القلب والكلى والضعف الجنسي.. وغيرها من الأمراض، بل حتى طرد "الجن" من المنزل بات أمرًا سهلاً لديهم، وستجد عندهم الحلول لذلك في ضحك واضح على "العقول"، وذلك في سوق باتت سائبة، بعد أن غابت عنها الأعين الرقابية. جولة وخلال جولة ميدانية رصد الإقبال الكبير على محال العطارة بالرياض، ولاسيما من النساء، وحجم الفوضى والمخالفات التي ترتكبها؛ فالبائعون بها عمالة وافدة، مؤهلاتهم لا تتعدى الابتدائية، نصبوا أنفسهم أخصائيين لصرف علاجات وخلطات عشبية ومستحضرات كيميائية، تحتاج إلى مقادير معينة ودراية وعلم وتنظيم؛ حتى لا تتحول من دواء إلى داء فتَّاك. حَمْل ب40 ريالاً لاحظت مصادر "عشبة"، يزيد الطلب عليها من قِبل النساء، تُدعى "الرزنة"، تبلغ قيمة الكيلو الواحد منها 40 ريالاً. وعند السؤال عن سر هذه "العشبة" أكد البائع الذي بدأ يتفنن في الشرح أنها تُستخدم لعلاج العقم وتأخُّر الإنجاب، وأنها مجرَّبة وفعَّالة محاولاً إقناع المحرر بشرائها! اللافت للنظر أن هذه "العشبة" لا تحوي أي معلومات غير اسمها، الذي دُوِّن من قِبل صاحب المحل!! "وبعرضها على مختص في الطب البديل؛ فأكد أن ما ذُكر عنها غير صحيح. الإجهاض ب10 ريالات لم تتوقف تجاوزات دكاكين الموت عند ذلك الحد، بل تعدى إلى ما هو أبعد؛ إذ تم رصد "عشبة جافة" محفوظة في علبة مجهولة البيانات، سعرها لا يتجاوز 10 ريالات، قال أحد الباعة إنها تساعد على إجهاض الأجنة. وهو أمر خطير للغاية؛ إذ إنها قد تؤدي إلى نزيف، ومن ثم الموت، أو يتم استخدامها في الخفاء بطرق غير مشروعة من قِبل ضعفاء النفوس. تحدٍّ وغياب الرقابة ورصد أيضًا العديد من المستحضرات، تُباع على أرفف محال العطارة، كانت هيئة الغذاء والدواء قد حذرت قبل أشهر من مخاطرها، منها كريم "راديان"؛ ما يؤكد غياب التنسيق والرقابة من قِبل الجهات المعنية بالأمر، والصمت على استنزافها ما في الجيوب، بعد أن فَقَد الكثيرون الثقة في المستشفيات، وأصبحت مقصدهم العلاجي الأول. أمراض خطيرة من جانبه، علَّق على الموضوع أستاذ علم العقاقير خبير الطب البديل، الدكتور جابر القحطاني، قائلاً: إن هناك خلطات تُباع في محال العطارة، ثبت أن لها مضاعفات، وتتسبب في أمراض خطيرة، مثل التليف الكبدي والفشل الكلوي والعقم والسرطان، وغيرها من الأمراض. مشيرًا إلى أنه تم تسجيل وفيات كثيرة من جراء استعمال الخلطات العشبية المجهولة. وصفة قاتلة وأوضح أن بعض العاملين في محال العطارة جهلة، حتى أن الواحد منهم لا يستطيع فك الأحرف المدونة على المنتجات الطبية من أعشاب وغيرها، مبينَا أن بعض العمالة التي لا تجيد اللغة العربية قد تصرف موادَّ قاتلة. من الواقع وقال إنه يرد إليهم بشكل مستمر كمٌّ كبير من الوصفات الشعبية من المستشفيات بعد لجوء المرضى لها بعد فشل العلاج بالأعشاب؛ وذلك لتحليلها، بعد أن كانت سببًا في هلاك كثير من المرضى. تجاهُل وفتك وقال "القحطاني" إن كثيرًا من العطارين والمعالجين الشعبيين لا يؤمنون بوجود أعشاب سامة قاتلة، مشيرًا إلى أن هناك لجنة تم تشكيلها من قِبل إمارة منطقة الرياض قبل سنوات؛ من أجل تقنين بيع الأدوية العشبية. قرارات غائبة وذكر أنها قررت أن تُباع في محال العطارة فقط الأدوية العشبية المفردة، وأن يُكتب عليها اسمها بالعربي والإنجليزي، وأن تكون خالية من الأعشاب السامة والحشرات ومخلفات القوارض والمخدرات والأدوية المصنعة والجراثيم. البائع مختص وتابع: وكذلك يكون الشخص الذي يزاول البيع ملمًّا بالأعشاب من حيث مركباتها الكيميائية والسمية، وأن يجيد اللغة العربية، وأن يلبس لبسًا نظيفًا، يليق به، وأن لا يبيع في العطارة أي دواء كيميائي. الأعشاب المصنعة وأردف بأن الأدوية العشبية المصنَّعة تباع في أماكن خاصة بالأدوية العشبية المقننة، مثلها مثل الصيدليات. مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون الشخص الذي يزاول المهنة صيدليًّا، ولا بد أن تكون الأعشاب تحمل تسجيل هيئة الغذاء والدواء السعودية. غياب المتابعة وقال: للأسف، لا توجد متابعة صارمة على محال العطارة. لافتًا إلى أنه حتى الآن لا يوجد حل للمعالجين الشعبيين الذين معظمهم في الأصل مشعوذون. كذبة عشبة "الرزنة" وأشار "القحطاني" إلى أن ما قيل عن عشبة "الرزنة" بأنها تسرّع الإنجاب هراء، ليس له أساسٌ من الصحة. لافتًا إلى أن اللوم لا يقع فقط على المعالجين والعطارين، ولكن يقع حتى على الناس، ممن ينجرفون خلف تلك الأوهام بحسب صحيفة سبق.