[COLOR=red]جعفر عباس[/COLOR] اكتسبت من العمل في مجال التدريس مهارة فك طلاسم الكلام المكتوب بخط رديء، أي غير مقروء، فلابد للمدرس من اكتساب تلك المهارة كي لا يظلم في الامتحانات طالبا يعرف ويكتب الإجابة الصحيحة، ولكن خطَّه يبدو كأنما نملة وقعت في وعاء للخمر وخرجت تترنح على الورق. وبمرور الزمن صرت استمتع بفك طلاسم الخط الرديء والعبارات الركيكة.. وفشلت فقط في فك طلاسم الوصفات الطبية التي يكتبها كثير من الأطباء بطريقة «مكلفتة»، وسبب الفشل هنا، هو أنني أصلا لا أعرف معظم المفردات التي يكتبونها على الوصفات، حتى لو كتبت بخط جميل، فكيف يكون حالي وحال غيري والكثير من الوصفات عبارة عن شخابيط، وتقدمها للصيدلي وترى الحيرة في عينيه، وقد يحاول قطع الشك باليقين بسؤالك: مم تشكو بالضبط؟ وفي ضوء إجابتك على هذا السؤال يقوم بتخمين اسم الدواء الذي كتبه الطبيب باللغة الهيروغليفية .. وقد يلجأ الصيدلي الى التخمين دون ان يطرح عليك أي سؤال و... أنت وبختك. يقول البروفسور جيه لايل بوتمان عميد كلية الصيدلة في جامعة أريزونا الأميركية ان الوصفات الطبية المشخبطة تعتبر «مرضا صامتا»، أي مرضا يداهمك دون ان تدري.. مرضا يصيبك وانت تطلب الشفاء من مرض آخر.. نحو 7000 مواطن أميركي ماتوا نتيجة الوصفات الخاطئة!! .. خاطئة بمعنى ان الضحية تناول دواء غير الذي كان يقصده الطبيب، لأن الطبيب كتب اسم الدواء بخط يجعل الحروف متداخلة ومتشابكة فقد تم إعطاء المريض دواء آخر، لا يصلح مع حالته الصحية، او شديد الضرر عند تناوله مع عقاقير أخرى... ولهذا فإن الوصفات الطبية المكتوبة بطريقة الكلفتة تكلف الخزانة الأميركية نفس كلفة علاج حالات السكري او أمراض القلب في عموم البلاد.. بالتحديد ثلاثة مليار وخمسمائة مليون دولار سنويا. ورغم أنني - وبحكم الانتماء الى العالم العربي - أتغاضى عن المطالبة بمعظم حقوقي الأساسية، إلا أنني أتمتع ب«بجاحة» تجعلني أقرأ كل وصفة يكتبها لي طبيب، وإذا فشلت في قراءة اسم الدواء، أسأله عنه، وعن آثاره الجانبية وعما إذا كان «أوكي» أن أتناوله مع دواء آخر أتعاطاه بانتظام.. معظم الأطباء لا يستاؤون من مثل تلك البجاحة، بل يرحبون بها. ولي نصيحة للمرضى الذين يتناولون تشكيلة متنوعة من الأدوية بانتظام: لا تكونوا مثل حماتي التي تضع أدوية الضغط والنقرس والتهاب المفاصل وعسر الهضم والتهاب القولون وتشكيلة من المسكنات، في كيس بلاستيكي تتنقل به من مكان الى آخر، ويحدث كثيرا أن تتناول جرعة مضاعفة من دواء معين... أي - مثلا - تتناول دواء التهاب القولون وهي تحسبه دواء ارتفاع ضغط الدم، وما هو أخطر من ذلك أنها تعتقد ان العيال من حولها يعرفون أن هذا الدواء هو علاج مرض كذا وكذا، فتصيح مطالبة واحدا منهم: يا ولد جيب الدوا بتاع النقرس، فيأتيها بدواء التهاب المفاصل، الذي يسبب لها «الحموضة»، فتطلب دواء الحموضة فيعطيها دواء الضغط، ومن ثم تشتكي على الدوام من أن الأدوية كلها صارت مغشوشة.