بعدما رشف آخر قطرة من فنجان قهوته، أنجز مؤيد الماربي وهو سعودي يدرس هندسة التصاميم الداخلية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، جملة تقارير قال إنه أرسلها إلى مدير مكتب هندسي يعمل معه بشكل جزئي، ويؤكد الشاب البالغ من العمر 24 عاما أنه يستمتع بالعمل من المقهى في وقت دراسته، ويجني مبلغا مجزيا كل شهر. الماربي سيكون بعد عام، واحدا من نحو مليون شاب وشابة في السعودية يبحثون عن العمل وهم يجيدون استخدام الكومبيوتر، بحسب إحصائية حديثة من وزارة العمل، تشير أيضا إلى أن هناك ما يربو على 200 ألف سعودية يبحثن عن العمل وهم يحملون الإجازة في درجة البكالوريوس، وهو ما يخولهم إنجاز أعمال لا تتطلب وجودهم في مكان العمل. حيال ذلك، كشفت مصادر حكومية مطلعة ل«الشرق الأوسط» عن تحركات لاستحداث لجنة متخصصة في وزارة الخدمة المدنية باسم «لجنة وظائف العمل عن بعد»، تتولى تحديد الوظائف التي يمكن مزاولتها عن بعد في القطاع الحكومي، وذلك في سبع مجالات، على أن تكون الأولوية في الوظائف للنساء وذوي الاحتياجات الخاصة. كما أكدت المصادر التي فضلت حجب اسمها أنه سيجري إيجاد وحدة إدارية بمستوى تنظيمي «مناسب» في وزارة الخدمة المدنية للإشراف على سير العمل عن بعد ومتابعة تطبيقه وتلقي طلبات العمل وتوجيهها، في الوزارة التي نشرت في تقرير رسمي مطلع الشهر الحالي أن عدد الموظفين الحكوميين بلغ نحو 1.2 مليون موظف، 433 ألف منهم نساء. من المرتقب أن يجري في دوائر صنع قرار الوظائف المدنية السعودية اقتراح كافة ما ينبغي تعديله أو إضافته إلى نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية بما يتوافق مع أسلوب العمل عن بعد، وأكدت المصادر: «سترفع الاقتراحات إلى مجلس الخدمة المدنية للنظر فيه واعتماده»، مضيفا أن لجنة عليا في البلاد ستتولى دراسة الهياكل التنظيمية للأجهزة الحكومية التي سيتقرر تطبيق أسلوب العمل عن بعد فيها في ضوء ما تتوصل إليه وزارة الخدمة المدنية، وبما يؤدي إلى زيادة فرص العمل عن بعد وتحقيق أهدافه. وستكون مجالات العمل التي ستشرع في إجازتها الوزارة «الحاسب الآلي، والمحاسبة، والترجمة، والاستعلامات، وإدخال وتسجيل البيانات والمعلومات، ومعالجة النصوص، والتدقيق اللغوي»، وزاد المصدر: «من المتاح أيضا إضافة نشاطات ومهمات أخرى يمكن مزاولتها عبر العمل عن بعد لاحقا». من ناحيته، يقول المهندس سعود الطوالة، وهو المدير التنفيذي لشركة تيلي وورك، وهي شركة سعودية تقدم حلولا وتقنيات للعمل عن بعد ل«الشرق الأوسط»: «هناك جملة فوائد تناسب أسلوب حياتنا في السعودية، أهمها القضاء على الأوقات الكبيرة التي يقطعها قاطنو المدن الكبيرة للوصول إلى أعمالهم، كما أن بعض الأسر السعودية تعيش منفصلة بسبب اختلاف عمل أحد الزوجين عن الآخر، والعمل عن بعد يتيح لأحدهما إذا كانت الفرص مناسبة الانتقال إلى وظيفة تتيح له العيش مع شريك حياته». يضيف الطوالة: «لدينا أيضا أكثر من 30 جامعة في السعودية، وتخرج كفاءات جيدة، ويرغبون في الوظائف في مناطقهم أو مدنهم، العمل عن بعد سيساعد كثيرا في توفير فرص عمل مناسبة للخريجين في أماكنهم، والعكس أيضا، كثير من المناطق السعودية والمدن الصغيرة تحتاج كفاءات متخصصة قد لا تفضل السكن في مناطق بعيدة، وهنا يأتي دور العمل عن بعد في توفير وظائف لأطباء ومهندسين وفنيين، فعندما يعمل معهم أحد عن بعد؛ يمكن أن يؤدي عمله لديهم، ويرفع كفاءات هذه المدن. ويتابع: «يمكن إيجاد محطات عمل في مختلف الأحياء المترامية أو تخدم المناطق النائية، هذه المحطات تخدم أكثر من شركة أو قطاع، لأن كل ما يحتاجه الموظف جهاز كومبيوتر، ودعم فني، وبرنامج يضمن حقوقه وحقوق الجهة التي توظفه، ويحسب الإنجاز وساعات الدوام»، مؤكدا أن البرمجيات الحديثة تتيح بشكل مباشر للعاملين عن بعد التواصل مع إداراتهم، ويضيف: «هناك أيضا حلول إدارية وليست تقنية وحسب، كما أنها مرنة يمكن الإضافة إليها أو تجنب بعض بنودها، وهي في النهاية تتنوع بتنوع النشاط، لكنها تقدم الحل الأمثل دائما». المحطات التي يقترحها المهندس سعود تسمى «مراكز العمل عن بعد»، وتكون في أحياء مختلفة في المدن الكبرى، أو في مدن نائية، وتدعم بغرفة اجتماعات وطابعات وأوراق إنترنت سريع، التواصل بين الأشخاص.. مراكز العمل عن بعد ممكن أن تكون مبنى مكونا من ثلاثة طوابق، وتحتوي على كل المرافق التي تساعد الموظفين والشركات أو القطاعات الحكومية وتوفر بيئة العمل كما لو كانوا في مقر العمل الرئيس، كما تتيح لفرق العمل مرونة أكبر، خلاف قدرة الموظف على العمل من منزله إذا لم يكن في حاجة الوجود مع فريق. وكان صندوق الموارد البشرية (هدف) أعلن عن عزمه إطلاق برنامج جديد يستهدف الفئات التي لا تعمل في المنطقة الساكنة بها، حيث من المرجح أن يشارك الصندوق في تحمل تكاليف السكن والتنقل لأصحاب العمل. ويقول إبراهيم آل معيقل، مدير عام «هدف»، إن الصندوق يعتزم إطلاق حزمة من الحوافز تستهدف بعض الفئات التي تنتقل للعمل في المدن الكبيرة وترك المدن الصغيرة والقرى. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى انخراط نحو ستة آلاف شخص في السعودية يعملون عشوائيا عن بعد أغلبها عن طريق الدوام الجزئي في السعودية، أو عن طريق الدفع بحسب الطلب، بيد أنها غير مقننة بشكل تام. وأعلنت شركة عبد اللطيف جميل حديثا، تعيينها ثلاثة آلاف سيدة يعملن عن بعد، في حين تتجه وزارة العمل بشكل جاد إلى دعم هذا النوع من التوظيف، خصوصا في حال اعتماد مميزات كالتأمين الطبي والتسجيل في التأمينات الاجتماعية، وفي المقابل، سيعود ذلك بالنفع على كثير من الشركات في مسألة توطين الوظائف وتسجيل نقاط أعلى في برنامج «نطاقات»، إلى جانب انخفاض التكلفة التشغيلية إذا كانت الشركات تعتمد كثيرا على طاقات بشرية كبيرة، كمراكز الاستفسارات والاتصالات وخدمة العملاء والتسويق والمبيعات. الدكتور عبد الحميد العمري، الخبير في الموارد البشرية، يقول إن إقرار العمل عن بعد سيعمل على إغلاق ثلاث مشكلات رئيسة، يأتي على رأسها مشكلات النقل داخل المدن الكبيرة في السعودية، وذلك بالتزامن مع إطلاق مشاريع النقل العام. وبين ل«الشرق الأوسط» أن معدل استهلاك المركبات يعد مرتفعا للغاية، إذ تسير في الشوارع السعودية نحو 11 مليون سيارة، لافتا إلى أن البنية التحتية في المجال الإلكتروني تشهد تطورا ملحوظا، إذ وصلت خدمات شبكة المعلومات العنكبوتية إلى كل المناطق بالبلاد. وذكر الخبير في الموارد البشرية، أنه في ظل التوجيه الإيجابي المتعلق بالتوظيف عن بعد، إلا أنه يأمل ألا يعزز ذلك من مشكلات التوظيف الوهمي، كاشفاً أن قرابة 64 في المائة زيادة في نسب توظيف السعوديات بشكل وهمي سجلت حديثا. ورصدت «الشرق الأوسط» كمية واسعة من العرض والطلب على وظائف العمل عن بعد، ويكفي البحث في أي شبكة تواصل اجتماعي حتى ترد مئات طلبات الوظائف في البلاد. ويعود المهندس سعود الطوالة ليؤكد في تقرير نشرته «تيلي وورك»: «لا شك أن هناك حاجة ملحة في سوق العمل في المملكة إلى تطبيق مفاهيم عالمية متطورة وغير تقليدية يمكنها أن تساهم في حل مشكلات البطالة، وتحسين بيئة العمل. ومن المؤكد أن مفهوم العمل عن بعد على وجه التحديد هو الحلقة الذهبية التي ستساهم بلا شك في زيادة توطين الوظائف والسعودة، وتهيئة مناخ عمل آمن ومريح ومثالي للمرأة السعودية على وجه الخصوص»، مضيفا: أن «هناك الكثير من الوظائف التي يمكن للشركات والمؤسسات تخصيصها للعاملين عن بعد، ومن أهم هذه الوظائف الترجمة والبرمجة والتصاميم، وإدخال البيانات، والاستشارات، وأعمال الجرافيكس والرسم الهندسي والاستشارات الإدارية والهندسية، وكتابة التقارير، والتسويق عبر الإنترنت، وخدمات العملاء الهاتفية، وأعمال متعلقة بالتحرير الصحافي.. وغيرها من المجالات التي لا تتطلب حضور الموظف إلى مقر عمله». لافتا: «إن أهم مميزات تطبيق العمل عن بعد في المملكة هو إتاحة الفرصة للمرأة السعودية أن تكون أكثر إسهاما ووجودا وتأثيرا في سوق العمل من خلال نسيج عريض من الوظائف. واستغلال الفرص الوظيفية التي تناسب مهاراتها، كما أن تقنيات العمل عن بعد تحقق الكثير من المكاسب للقطاع الخاص من أهمها: تحقيق خفض حقيقي في تكاليف مواقع العمل، من مكاتب وأجهزة وإضاءة وتكييف، وزيادة في الإنتاجية، بالإضافة إلى الفائدة الكبرى وهي سهولة توظيف النساء السعوديات والاستعانة بكفاءتهن في كثير من الأعمال والوظائف التي تناسبها». وأشار التقرير إلى تقدم العمل عن بعد في العالم إلى أن الخمس السنوات الماضية شهدت نقلة نوعية في عالم الاتصال والتواصل سببها التحول نحو الحوسبة السحابية والنمو المتسارع في المتنقل وكثافة استخدام الشبكات الاجتماعية أصبح العالم أجمع يتواصل من خلال الأجهزة المتنقلة، «فاليوم هناك سبعة مليارات مستخدم للهواتف المتنقلة وأكثر من ملياري مستخدم للإنترنت من خلال الأجهزة الذكية المتنقلة، وفي المملكة العربية السعودية ما يزيد عن 50 مليون مشترك بشبكة المتنقل، منها أكثر من 16 مليون مستخدم للإنترنت من خلال الجيل الثالث والرابع، فاليوم اتصال البشر بالشبكات الاجتماعية هو نوع من الاتصال والتواصل وأداء مهمة عن بعد». ويربط التقرير التقدم العالمي الذي وصفه ب«المتسارع» مع عالم الشبكات المتنقلة من خلال سرعات اتصال عالية مكنت الأفراد من الاتصال والتواصل فيما بينهم، إلى جانب المنشآت التجارية والحكومية، بتبني هذه الجهات الحكومية وجهات أخرى تجارية أنظمة وسياسات العمل عن بعد من خلال الحوسبة السحابية، «والتي أحدث تغييرا كبيرا في مفهوم العمل وأنماطه، بحيث يمكن للموظف أن يؤدي عمله كله أو جزءا منه في أي وقت ومن أي مكان بنفس الكفاءة والمهارة». مشيرا إلى أن ارتفاع تكاليف المعيشة في المدن الرئيسة، والازدحام المروري أجبر التقنيات الحديثة على أن تجد حلا متطورا يجعل الكثير من الناس يستطيعون أداء وظائفهم وهم في قراهم ومحافظاتهم، موفرين على أنفسهم تبعات الانتقال اليومي لمقار عملهم، مما سيساهم في الحد من الهجرة الهائلة للمدن الرئيسة.. ويقلل الازدحام المروري ونسبة حوادث السيارات وفاقد الطاقة والتلوث بالإضافة إلى توفير بيئة عمل مثالية للمرأة في مجتمعاتنا الخليجية. وتشير دراسة - بحسب التقرير - إلى أن أكثر من مليوني فرد يعملون عن بعد في المملكة المتحدة، 70 في المائة منهم رجال، أما في الولاياتالمتحدة فقد تخطى العدد حاجز 20 مليون فرد يعملون عن بعد، بما يفوق 15 في المائة من العدد الإجمالي للقوى العاملة، 57 في المائة منهم من رجال، و43 في المائة نساء، وفي كندا بلغ عدد العاملين عن بعد أكثر من مليون ونصف المليون فرد، بينما تتوقع الدراسات أن يبلغ العدد في اليابان 13.2 مليون فرد بحلول عام 2015.