أتألّم كثيرًا حين أرى امرأة لا تلتزم بالحجاب، لكن ما يؤلمني أكثر هو ما تعرّضت له شريعة الحجاب، وهي شريعة محكمة مجمع عليها بين الأمّة، لا يخالف فيها مسلم يشهد الشهادتين إلاّ أن يكون من سلالة عبدالله بن أبيّ الّذي كان يبطن ما لا يظهر، أقول: تعرّض الحجاب إلى مسخ وتشويه سببه أنّ كثيرًا من النساء، ومَن ولاّه الله أمرهنّ لم يفقهوا حقيقة الحجاب، ولم يعوا معناه، ولا المعنى الراقي الّذي يرمز إليه الحجاب، فالله تعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل في فطرة كل منهما الانجذاب للآخر، وإذا كانت الحمقاوات ممّن غرّهنّ دعوات تحرير المرأة الزائفة يعتقدن أنّ خلع الحجاب هو الّذي يجلب الاحترام لشخوصهنّ وآدميتهنّ، فهنّ مخطئات، فالمرأة السافرة والمتبرجة فضلاً عن المتعرّية لا يتعامل معها الرجل إلاّ من خلال الأصباغ والألوان في الجسد والملبس الّتي تعمي أكثر الرجال عن اختراق هذه الحجب، والنظر لحقيقة النفس الإنسانية والشخصية التي يتحدثون معها، ونحن هنا نتكلم عن الأكثر والسائد، أمّا المرأة المحجبة الّتي سترت مفاتنها عن الرجال، فإنّ الرجل يصبح مضطرًا إلى التعامل معها كآدمي، ويصبح الإرسال والتلقي بين الأرواح والأفكار من خلال العقل دون تأثّر بوهج السفور والتبرّج، وميوعة الخطاب، وإذا كان ذلك كذلك عرفنا لماذا اشترط الإسلام في الحجاب أن لا يكون زينة في نفسه، فالحجاب ليس مجرد خرقة ترميها المرأة على جزء من جسدها كنوع من إثبات الهوية، وليس في نفس الوقت فستانًا تحرص على تنويع ألوانه وموديلاته وأشكاله، ولهذا فإنّ تلك المرأة الّتي تضع الخمار على رأسها مظهرة طرف شعرها لم تفقه معنى الحجاب، وتلك الّتي تفخر بتصميم أنواع من العباءات مختلفة الأشكال والزخارف والتطريزات هي أيضاً لم تفقه معنى الحجاب، وتلك الّتي تلبس عباءة مخصّرة ضيّقة تصف جسمها هي أيضاً لم تفقه معنى الحجاب، وتلك الّتي حجبت جسمها ما عدا الوجه ثم ملأت وجهها بالأصباغ هي أيضاً لم تفقه معنى الحجاب، فالحجاب من اسمه تعرف معناه ومغزاه، فهو حجب لمحاسن المرأة الماديّة الّتي تكون سببًا في تعرضها للأذى الحسي والمعنوي، أو تكون سببًا في فساد قلوب من يخالطها من الرجال ممّن في قلوبهم مرض، ولا يقولن قائل إنّ المسؤولية عليهم لأنّ الإسلام راعى حال هؤلاء -وهم بالمناسبة أكثرية- حتى مع أمّهات المؤمنين، وفي عصر الصحابة.. فقال تعالى: {ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، فكيف بمن دونهنّ؟وكيف بمن دونهم؟ وهذا في عصر لا اختلاط فيه، فكيف بعصر أصبح الاختلاط واقعًا مُرًّا يعيشه كثير من المسلمين؟