فهد الداعج : هاتفني صديق لي يوما من مدينة أخرى في المملكة بعد أن كان معلماً في الخرج وذكر انقطاعه عن الخرج لكثرة أشغاله لدرجة أن والدته في الخرج ولم يشاهدها منذ عام !!! وبعد أيام سمعت عن وفاة والدته رحمها الله وغفر الله له.. أخي الكريم : عنوان مقالتي هذه جزء من حديث شريف، وموقف تربوي رائع من المربّي الأول عليه الصلاة والسلام حين جاءه رجل من المسلمين ليأذن له بالجهاد ، ذروة سنام الإسلام ، وفضل الجهاد عظيم لا مجال للاستفاضة فيه ، ومع ذلك سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر هو أهم من الجهاد : أحيّ والداك ؟ قال: نعم ، فقال عليه الصلاة والسلام: ففيهما فجاهد .. الله أكبر إنه النبراس العظيم الذي يرسمه لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لنرتب أولوياتنا في حياتنا ومع من لهم حق علينا.. إنه الجهاد من نوع آخر ، إنه مجاهدة النفس للبر بالوالدين أحدهما أو كليهما ، وتقبّل أوامرهما بصدر رحب ، والحذر من إغضابهما ابتغاءً للأجر العظيم ، والمنزلة العالية في الجنة لمن برّ بوالديه أو أحدهما ، ويكفينا أن نتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف من أدرك والديه أحدهما أو كليهما ولم يدخلاه الجنة " "والجنة تحت أقدام الأمهات" و" الوالد الباب الأوسط من أبواب الجنة". ومع كل فضائل برّ الوالدين التي لا تخفى على أمثالكم إلا أننا نجد ونسمع في مجتمعنا تفريطاً عجيبا في مسألة بر الوالدين ، بل تعدى الأمر من مسألة البر إلى العقوق ثم مسألة الإساءة للوالدين بكلام أو فعل أو حتى بالاحتقار لتفكيرهما الذي يظنون انه لا يناسب الجيل الذي يعيشونه وكأنهم لا يفهمون ما يحدث في جيل الأبناء.. أخي القارئ الكريم : لك أن تتخيل كلمة من حرفين " أف" ذكرهما الله في كتابه كأقل كلمة يمكن أن تصدر من إنسان ومع ذلك نهى الله عن ذكرها للوالدين ، وقد يعبَّر عنها بتنهيدة تدل على عدم الرضى !! أخي: إن كنت اليوم مع أمّك وأبيك فسيأتي اليوم الذي تكون فيه بلا أمّ ولا أب!! فإن سبقتهما عشت وحيدا في قبرك تتمنى أن لو زدت في برّك بهما أو كففت عن عقوقك لهما ، أما وإن سبقاك للدار الآخرة فستكمل باقي حياتك تتجرع ألم الحسرة بعد أن فرطت في كنز ثمين كنت تملكه !! نماذج مبكية حين نسمعها أو نقرأها عن صور من العقوق بدءاً برفع الصوت أو الشتم أو الضرب حتى انتهى الحال في حالات شاذّة غلى قتل أحد الأبوين نسأل الله السلامة والعافية. وأخيرا أيها الحبيب: قارئي يا رعاك الله : تدارك فرصتك الذهبية إن كان بقي أحد من والديك لتنعم بسعادة دنيوية ومنزلة عظيمة أخروية ، وصدق من قال : إذا رأيت ناجحاً في حياته فاعلم أن له نصيبا من برّه بوالديه .. جعلنا الله من البارّين بوالدينا وجمعنا بهم في جنات النعيم..