بقلمي أحمد بن صالح الطفيل تاه صوت الشيخ بين جيل الجليد ، تاه بين أبنائه وأحفاده وأقربائه ومجتمعه ..!! تركوا له قلباً مثقوباً .. يتجدد كل حين ، يزداد هماً وقت اجتماعهم ؛ وهو يسارقهم النظر بشزر ، يتألم من أشكال الحجر المنهمكة في غفوتها وسباتها .. كان ينتظر منهم قطرات من كلامات تهطل على مسامعه ليروي فؤاده المجدب ؛ لكنه إحساسهم البليد جلب الأسى له فوق الأسى .. حينما غيَّبُوا جمال الهمس والحوار معه .. تجده دائم التحديق في أشكالهم ، ودموع قلبه تكوي صدره المكلوم !! كبيرٌ أنت ياشيخٌ وتبقى كبيراً !! عشقت الصمت حينما أصبح من حولك كذرَّات الرمل المتناثر ، لأنهم أدمنوا الجمود فانشطروا عن روح الحياة .. رحماك ياربِّ به !! يترقب لقاءهم بشغف المحب الحاني ؛ لكنهم خارج تغطية المكان !! هذا قابع مع حروفٍ وصور ، يخبر الغير عن أحواله بالاستقرام ، وآخر يتجاذب أطراف الحديث مع من يحب بالواتس ، وآخر ويرحب بمن يعرف ومن لا يعرف بتغريدات عبر الطائر الأزرق صباح مساء !! ثم يمتن لهم بإعادة تغريداته !! وآخر كل همِّه الفيسبوك .. يحوز الدنيا عندما يرى عدداً من إشارة ( لايك ) وضعت له !! مسكين هذا الجليد ، يترقب الشيخ خائفاً أن يقصفه بكلمة في منصف جبهته !! وهو يمارس هوايته بجواله !! ألا يحق للشيخ أن يملَّ من سلامهم .. لأنه لا جديد !! كل يوم : كيف أنت يا أبي ؟ كيف أنت ياجدي ؟ أخبارك يا شيخنا ؟ ثم تطبق شفاههم ؛ ليكون غريباً بينهم .. !! ذابت شخصيته اجتماعيا بعد استوائه على جبل النشاط والحيوية وهاهو ينحدر إلى وادي أرذل العمر ، الكل من حوله يسير باتجاه معاكس معه !! لأن موائد التواصل الاجتماعي منفصلٌ عنه ، الجسد الواحد لم يعد مرصوصاً ولا قريبا ؛ بل يتجاوز آلاف الأميال بُعداً !! يزداد هماً ووجعاً حينما يتحاورون داخل اهتماماتهم وتقنياتهم !! تناسوا أن الشيخ بينهم ( أجسادٌ هنا .. وقلوب هناك ) أشباه الأحياء ؛ يتحركون كالأراجوز بخيوط التقنية من بعيد .. ليبقى الشيخ بينهم مكبلاً بقيود الصمت والألم ، يتواصلون كخيال الظل !! مزيفون بأقنعة الانفصام !! لا حول له وقوة ، يشتكي من أنين الزمن على صغار له .. وهم يتبخترون بصحتهم وشبابهم ؛ الكل يحمل جوالاً وجهازاً ذكياً أمامه .. !! حضروا جميعاً ..!! لكن لقاءهم غير ماتعٍ بالفرح ، بل مترع بالأوجاع ، مات الكلام وسط الزحام .. في بيت الأشباح ، وسماؤه لا تمطرُ إلا الأوجاع والأنين !! أصبح كغريب مطوٍ في قلبه المهجور .. قيدوا حنجرته بحبال صوته ، وكبلوا بسمة شفتيه بصمت مطبق .. أجلسوه على كرسي الحرقة ، فلا ينظر إلا شظايا رسائلهم !! وحمم تواصلهم المغلف بالمجاملات وجهلوا حق الكبير ومكانتها عند الله ...!! لأنها انزوت في ذواتهم .. فتناسوا ماذا صنع التاريخ فيه ؟ وماذا صنع في التاريخ ؟ وهمَّشوا جغرافية مكانته !! فمازادتهم تقنيتهم إلا صدوداً، فلا تلُمْه وأنت تسمع من حطام جسده المتهالك بيت الشعر يردده : إذا المرء لم يرعاك إلا تكلفاً فدعه ولا تكثر عليه التأسفا كان الشيخ ينتظر منهم حينما يجلسون بينه ، حواراً دافئاً، وجملاً متراشقة هادفة !! لكن ألسنتهم تصحَّرت من الكلمات ، وأجدبت حديقة أحاديثهم التي لفتها رياح الخرس والتأفف ؛ ليبقى مستظلاً تحت شجرة الملاحظة والتفكير العميق !! أيها الجيل المتحضر : إن كبار السِّن يشتكون من أزمة التهميش ، أنهم يتنحنحون دوماً كأنهم يقول : ( نحن هنا ) ؛ لكن البعض تركهم على دكة الصبر !! فأصبحوا مقعدين على أسرتهم وكراسيهم ؛ ينتظرون حراكاً منكم ، فمتى ترفعوا أبصاركم نحوهم وتتركوا أجهزتكم وأنتم معهم ؟ إلهجوا بألسنتكم بالدعاء لهم ، وحاوروهم وبادلوهم ما هو جديد يخصهم ، وقلِّبوا معهم دفاتر ذكرياتهم وبطولاتهم ومغامراتهم ... وخذوا من خبراتهم المتراكمة التى اختفت وراء ملامح وجوههم المتجعدة !! ولكن !! قل : على الدنيا السلام !! إن اتسع البون معهم ، وقلّ احترامهم ، وأصبح التقدير للجوال والآيباد والأجهزة الذكية ...!! [/b] [/size]