آسف !!! كلمة صغيرة في مبناها ... خفيفة في نطقها .. كبيرة في معناها تفتح قلوبا قد أغلقت ، وتقرب مسافات بين الأرواح قد قطعت .. وتسد طرائقاً للشيطان قد فتحت.. ما أسطره في مقالي أعزائي الكرام إنما هو من واقع نشاهده في مجتمعنا ومحيطنا الاجتماعي وما يحدث من مواقف بين زملاء العمل والأقارب والإخوة بل وبين الزوجين بعضهما البعض ، مواقف قد تكون بدايتها شرارة صغيرة لا تذكر ، ولو تركت هذه الشرارة بلا نفخ لانطفأت في حينها وكأن شيئاً لم يكن ، لكن إبليس اللعين وأعوانه يستغلون هذه الشرارة الصغيرة فيولونها رعايتهم فتكون جمرة فشعلة فنار تحرق الأواصر وتقطع الروابط ، ولو اطفؤوها ب ( آسف ) لخمدت في حينها . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) والمعنى أن الشيطان لم ييأس من بث الفرقة والاختلاف وإثارة المشكلات التي تحصل بين الناس ، ونسوا أن المتخاصمَين لا ترفع أعمالهما إلى الله مع الناس كل اثنين وخميس بل يقول الله جل جلاله ( أنظرا هذين حتى يصطلحا ) ولا أشيع سرا حين أقول بأني أعرف أخوين من أب وأم لم يكلما بعضهما البعض منذ أكثر من عشرين عاما بسبب حفنة من تراب اختلافا عليها ... إن كلمة آسف تفعل الأعاجيب ولكن لا يقدر عليه إلا كبار النفوس وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام وكبار النفوس هم الذين لا يهمهم إلا كسب رضا الله جلّ وعلا والترفع عن سفاسف الأمور ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) .. وتخرج كلمة (آسف) من اللسان وهي ثقيلة كأثقل من جبل أحد لأن الشيطان يثقلها لئلا تخرج ، ومع الشيطان أعوانه من شيطان الإنس الذين يصعبون الأمور ، ويظهر واحدهم وكأنه الناصح الأمين ويقول لك : لا تعتذر فهو المخطئ ولا يزال بك هذا الشيطان الإنسي حتى تزداد الهوة ويتسع الخلاف ثم يتولى عنك هذا الناصح غير الأمين وتبقى أنت تتجرع مرارة الخلاف وإثم الخصام وحبس الأعمال من الرفع لرب العالمين . إن حسن الخلق والتعامل بالتي هي أحسن منزلة عالية تحتاج إلى تهذيب للنفس وتعويد لها حتى تنال هذه المنزلة الرفيعة وفي الحديث ( وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) ولا تنس أن الحلم بالتحلم والصبر بالتصبر وقس على ذلك خلق العفو فهو يحتاج إلى تمرين للنفس وتعويد حتى تعتاد النفس هذا الخلق الجميل والذي يكفي فيه أن الله لم يحدد أجره بمقدار محدد بل أوكل الأجر إليه سبحانه ( من عفا وأصلح فأجره على الله ... ) ومن ظنّ أن العفو والصفح والاعتذار فيها إذلال للنفس فقد أخطأ الظن ، بل العفو فيه العزة في الدنيا والآخرة ، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ما تواضع أحد لله إلا رفع ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ).. فهد بن عبدالعزيز الداعج ماجستير علوم اجتماعية