قالَ عظيمُ الشعراء المتنبي : وَلَمْ أرَ في عيوبِ النَّاسِ عَيْباً كنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ ألا ما أصدقَ المتنبي في هذا البيت ! ألا ما أروعَ تلك الحكمة البالغة التي أرى أنها تستحق أن يستصحبها الإنسان نُصْبَ عينيه طول حياته إلى مماته ! فكم يا تُرى من هو قادرٌ و مستطيعٌ ويقصّرُ عن التّمام ؟ وكم يا تُرى من يملكُ أن يكونَ مع المتقدّمين ويأبى إلا أن يكونَ مع المتأخّرين ؟ وكم يا تُرى من يستطيعُ أن يُحقّق أكثر مما حقق ويُنْجزَ أحسن مما أنْجَزَ ولكنه لا يفعل ؟ الذي أظنه أنهم كثيرون جداً ، وما أبرّئ نفسي ! والسؤال الأهم ، من النّاجون من هذا العيب ؟ إنهم العقلاء، وأصحاب الهمم ، وأرباب النفوس الطموحة والضمائر الحية ، السّاعون دائما في جُلّ أعمالهم وشؤون حياتهم إلى الإتمام والإتقان ... إنني أرى في هذا البيت تحفيزاً جميلاً إلى إتمامِ الأعمالِ وإتقانِها وتحسينِها وإجادتها ، فإذا كانت حياة الإنسان مجموعة من الأعمال التي قد يكون في بعضها مجبراً لا مخيّراً سواء كانت دينية أو دنيوية فإن الهدف ليس مجرد العمل وإنما إجادته وإتقانه . ولاشك أن العيبَ لا يلحقُ من يكون معذوراً بعجزِه عن الإتمام ، أو حتى عن الإخفاق ؛ إذا بذل طاقتَه وجهدَه ، ولكنّ العيبَ كلّ العيب يلحقُ من تكون سجيّته وديدنه التقصير والتفريط مع امتلاكه القدرة والاستطاعة ، وأقبح ما يكون العيب إذا كان العمل تكليفا دينياً وشرعياً ، ثمّ يأتي في الرتبة بعده إذا كان ذلك العمل يترتب عليه مستقبل الإنسان و مصير حياته ثم يفرّط فيه بتقصيره وعدم مبالاته ! أو كان يترتب على التقصير في العمل إضرارٌ بالآخرين أيّاً كان هذا الإضرار . إضاءة أخيرة : قال تعالى:" لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً "وقال صلى الله عليه وسلم - :" إن اللهَ يحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عملًا أن يُتقنَه " رواه البيهقي . وقال - صلّى اللهُ عليه وسلَّم - : " إذا كفّن أحدُكم أخاه فليُحْسِنْ كفنَه " رواه مسلم ، وفي الحديث الصحيح في ذبح البهائم : " وإذا ذَبَحْتم فأحسنوا الذّبحة " *وأخيرا آمل من (الخرج اليوم) أن تسمح لي : أن أتقدم بوافر الشكر وعظيم الامتنان إلى كل من قرأ أو علّق على مقالتي السابقة ( آفة التصنيف ). فللجميع خالص الودّ ! ناصر بن عبد العزيز الهذيلي جامعة الخرج - كلية العلوم والدراسات الإنسانية