كل شيء في المكان يتحدث بصخب ؛ النساء ، الأطفال ، الخادمات ، أصوات الألعاب .. ضجيج المكان يخفي معالم الترقب والنظر في الوجوه .. كل شيء يتحرك ولا مجال لأن يقف أحد ؛ فالكل في حركة دؤوب يجري خلف كل جديد .. تصوير لتجمع نسائي من زاوية واحدة فكيف بزوايا المكان ؟! ضجيج .. صخب .. اختفاء لمعالم الوجوه والأشكال .. ومن وقت لآخر بكاء للصغار يتعالى .. روائح الطعام تضج بها جنبات المكان وكل نفس وما تشتهي ! في ركن قصي اتخذت مكاناً لتريح جسدها من عناء التجوال .. فتحت علبة الماء البارد لتروي عطشها .. لفت انتباها فتاة تنظر إليها بتركيز .. بعض الامتعاض سرى في جسدها وهي تقول في نفسها ( أكره المتطفلين ) ! أتت إليها أمها وقد حملت بعض الطعام .. انخرطت مع والدتها في الحديث عن أحد الأقسام بضع ثواني .. أعادت نظرها ليستقر على تلك الفتاة التي لم تغير نظرها وتبعده عنها .. أشارت لأمها لتنظر إليها ولكن والدتها قالت لها ( كوني واثقة من نفسك ولتعلمي أن في مجتمعنا الكثير من المتطفلين فلا عليك ) ! طال جلوسهما وفي كل مرة تلتفت للفتاة فتجدها لازالت تنظر إليها حتى خالج نفسها الشك أن فيها ما هو خطأ .. حاولت أن تنظر إلى نفسها وهي تسرق النظر فربما أزاحت عن جسدها ما كان يلفت انتباه تلك الفتاة أو تعدل ما يحتاج للتعديل .. قالت في نفسها لم يبقَ إلا وجهي ولكن كيف أنظر إليه ؟! وضعت حقيبتها بجانبها .. فتحتها .. نظرت إلى المرآة من بعيد .. لم تجد شيئاً ! طفح كيلها .. قالت لأمها ( يا أمي اذهبي لتلك الفتاة ولقنيها درساً لا تنساه حتى لا تنظر للناس مرة أخرى بهذه الطريقة ) . دم والدتها يغلي وهي في طريقها إلى الفتاة .. وقفت أمامها .. زجرتها بعنف ( إلى متى وأنت ستنظري إلى ابنتي ؟ هل تريدي صورة ؟ ) . أمالت الفتاة رأسها جهة كتفها قليلاً وكأنها تصغي باستغراب .. سألتها الفتاة : ابنتك ؟ قالت المرأة : نعم ابنتي ! تتجاهلين حركاتك و( تتغابين ) وكأنك عمياء ؟!! صمتت الفتاة قليلاً .. ثم قالت : عذراً يا خالة فأنا بالفعل عمياء ولو كنت أنظر لنظرت إلى ما يستحق أن أطيل إليه النظر .. . . . . . . إلى كتاب الله . (( مساحة حرة أتركها لكم لتستنبطوا منها ما طرق قلوبكم .. .. .. ))