بدء الإسلام غريباً وسيعود غريباً لا محالة. انطلق بمرحلة سرية ثم جهرية فأصبح منذ أول ظهور لفجر الرسالة المحمدية يتعرض لشتى أنواع الإساءات والاعتداءات من قبل كبار زعماء كفار قريش وسفهائهم, فلم يسلم منها كل من دخل في هذا الدين الجديد صغيراً كان أم كبيراً حتى المبشر والنذير له لم تسلم نفسه منها صلوات ربي وسلامه عليه. فقد كان صابراً قوياً محتسباً لإدراكه ويقينه العميق أن هذا الدين الجديد قائم لا محالة بعز عزيزٍ أو بذل ذليل طال الزمان أم قصر,انه وعدُ ربه الحق. وبالفعل جاءته بشائر وعد ربه عز وجل وعاد الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى بلده مكة فاتحاً على رأس جيش لا يهاب الموت أبداً ... فماذا فعل حينها؟ هل هم بقتل كل كافر على أرض مكة لتصفية حسابات قديمه ؟ هل أمر جيشه بإحضار كل من سولت له نفسه من كبار وجهاء قريش من جلابيبهم إليه بطريقة مهينه زيادة في نكالتهم وإهانتهم أمام الملا على ما فعلوه به وبقومه طوال تلك السنوات المريرة ؟ بالتأكيد لا وهو القادر بلا ادني شك على فعل كل ما سبق وأكثر, فلم يكن في قلبه ذرة حقد وكبر وعلو وهو القائد المنتصر أمامهم أتدرون لماذا ؟ إنها رحمته التي جاءت في قوله تعالى:{ وما بعثناك إلا رحمة للعالمين } اكتبها ودمعي على خدي وقلبي يحزن وقد مضى على رحيله أكثر من 1400 عام. نعم هي رحمته تجاه الإنسان وإنسانيته والطير والشجر والحجر. نعم هي رحمته تجاه المستأمنين الضعفاء من الكفار يهوداً كانوا أم نصارى. نعم هي رحمته التي جعلته ينزل من على منبره ليحضن شجرة كانت تبكي من تأثرها على فراقه. نعم هي الرحمة التي جعلته يطمئن على يهودياً كان دوماً سبباً في أذيته بوضع الأشواك في طريقه. نعم هي الرحمة التي بها فتحت له أبواب بلاد المشرق والمغرب. نعم فبرحمته خرج من بين يديه الشريفتين رجالاً ونساءً سطروا لنا أسمى آيات التفاني والتضحيات لهذا الدين القيم. بصراحة وباختصار شديدين هي الرحمة التي لا تعرف طريقاً لها في قلوب بعض من بني المسلمين. هي الرحمة التي انتزعت نزعاً من قلوب بعضنا وحل مكانها الحقد والكراهية تجاه المستأمنين في بلادنا الإسلامية الذين لا ذنب لهم مما اقترفه السفهاء من بني جلدتهم تجاه ديننا ونبينا الكريم. والأمثلة على ذلك كثيرة اكتفي منها حادثة معانات الدنمركيين في شتى بلادنا الإسلامية بسبب رسامهم ( إريك سورنسن ) صاحب الصور المسيئة والمشينة بحق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والذي أقل ما يوصف به انه تصرف لا مسئول من شخص أحمق ومعتوه . فقد كان نسياً منسياً في بلده ولم تعجبه قط حالت لفظ مجتمعه له كحال الكثيرين من أمثاله والعيش كالصفر على الشمال حتى تفتحت في ذهنه المريض فكرة شيطانية من شيطان رجيم أن قم من عزلتك وافعل كما فعل المنسيون السفهاء من أمثالك عرباً كانوا أم عجماً والذين سبقوك إلى ركب قافلة الشهرة والنجومية. فلم يجد الشيطان صعوبة حقيقة في إقناعه فأسرع وأمسك بقلمه الخبيث ورسم للعالم صوراً بذيئة تدمى لها القلوب دماً قبل العيون دمعاً بحق رسولنا الكريم والمصيبة الكبرى انه كان يعلم جيداً ما تجني يداه من جريمة لا تغتفر بحق نبي المسلمين الذي هو رمزهم المقدس وما سينتج عنها من جر كثير من الويلات على مجتمعه واقتصاده, ولكنها إحدى عيوب حب الشهرة التي حُرِم منها طوال حياته ( حرمه الله الجنة ) فانطبق عليه قول الله تعالى:( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ) سورة الكهف . عندها قامت صحيفة ( يولاند بوسطن ) المحلية بالمشاركة في الجريمة النكراء رغبة منها في أن ينالها شيء من الصيت أيضا وذلك بنشر تلك الصور المحرمة دينياً وأخلاقياً على الملا فكانت بداية الطامة الكبرى والشرارة الأولى لحرق فتيل قنبلة ضخمة في كل إرجاء العالم بلا استثناء فكثر حينها الهرج والمرج ووضع العقلاء أياديهم على قلوبهم خوفاً من نتائج تلك الكارثة والغيرة العمياء الغير بصيرة لعواقب الأمور من قبل ملايين المسلمين الذين شاركوا في خلق اضطرابات ومظاهرات عنيفة لم أرى حقاً داعي لها ولم أؤيدها قط لأنها لم تتصف إطلاقا بالعقلانية بل أضرت بالمعنى الحقيقي للإسلام وسماحته أكثر مما يحتمل .حتى رأينا على شاشات التلفزة حرق وتدمير لممتلكات عامة وخاصة لمسلمين وغير مسلمين لا ذنب لهم مما جرى وكذلك الاعتداءات الغير منطقية على الإطلاق والغير مبررة على سفارات الدانمرك ومنسوبيها ومواطنيها لدرجة حرقها في بعض الدول من قبل أشخاص اعتقد انه قد غلبت عليهم العاطفة الجياشة والحمية وغابت عن عقولهم حسن التصرف والحكمة هذا إن لم تكن أصلا متعمدة وتم استغلال الحدث لأجل ذلك! فسمعنا عن أصوات تنادي بالانتقام من الرسام وقتله وأخرى تحرض على الكراهية للشعب الدانمركي والاعتداء عليهم أينما حلوا, وحرق المؤسسات والشركات التابعة لهم ونسوا أو تناسوا أنها كانت ولا تزال مصدر رزق لكثيرٍ من إخوانهم المسلمين وسبب في رقي بلادهم وتطورها وفتح لكثير من البيوت لعائلاتهم .. ثم ماذا حدث بعد كل هذا الزعيق والوعيد؟ هل اعتذر الرسام على ما ارتكبته يداه من فضيحة ؟ هل اعتذرت حكومة بلادة عن ما فعله سفيهُهُم؟ على الإطلاق بل حصل على ما كان يبتغي من شهرة ونجومية زائفة بل ودعم قوي وكبير وتضامن جميع دور النشر والصحف له عن طريق نشر تلك الصور مراراَ وتكراراً دون أي اعتبار لأحد. وأيضا زيادة على ذلك دعم كامل من كل دول الإتحاد الأوروبي خاصة والولايات المتحدة عامة لبلاده وكل ذلك بسبب تصرفات البعض الطائشة الغير مسئوله فوقعوا في الفخ الذي نصبه لهم الرسام بسبب حميتهم المفرطة وسوء تقديرهم لعاقبة الأمور. هنا تتميز فيها المواقف لسياسات حكومة دوله عن دوله وشعب عن شعب تجاه ذلك الحدث وهو ما اعتبره حقيقةً اختبار حقيقي لمدى حسن وسوء تعامل حكوماتنا الإسلامية والعربية تجاه الأحداث التي تحصل لعالمنا الإسلامي. فلقد تميزت وبشدة مواقف حكومة المملكة العربية السعودية خاصة ودول الخليج عامة مع شعوبها تجاه الحدث الجلل بالعقلانية والحكمة من منطلق مسؤولياتها تجاه قدسية وحرمة المساس بنبينا وديننا الذي هو أساس عصمتنا وعزتنا فلا مساومة على ذلك ألبته. كما وضعت الأمور في نصابها الصحيح الذي يجب أن تكون عليه بعيدا عن العواطف المؤقتة التي لا طائل منها وبعيداً كذلك عن الاضطرابات والمظاهرات التي لن ولن تنال شعرة واحدة من رأس الرسام بل ستزيد الطين بله والأمور تعقيداً وسوءً وتجر الويلات والخراب لبلادنا وشعوبنا واقتصادنا كما حدث لغيرنا ( فلا يجب أبدا أن ننسى أننا لا نملك شيئا سوى ذلك النفط ولا شيء غيرة ) فلم نحمل سفاراتهم أو منشآتهم أو مواطنيهم وزر سفاهة ابنهم أو بالأصح جدهم الخرف لقوله تعالى:( ولا تزر وازره وزر أخرى) ولكن مهلاً قليلاً !! لا يعني ذلك على الإطلاق أننا متبلدي الإحساس ولسنا غاضبين جداً مما جرى حكومات وشعوب على ما اقترفته يدا ذلك الهرم؟ أو يفهم من كلامي أننا لم نعد نحب رسولنا اوالدفاع عنه حتى الاستماتة ! بل على العكس تماماً ..فهو في قلوبنا كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً كالروح في الجسد - رضي من رضي وسخط من سخط - إلا أن الفرق بيننا وبين غيرنا والذي أريد أن أوضحه هنا هو في كيفية الرد على تلك الرسوم والتي كانت مختلفة تماماً عن غيرنا وبطريقة حضارية علمنا إياها معلمنا ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الأمور فكان لنا موقفنا المميز والقوي والحاسم والواضح أيضا لرئيس حكومة الدانمرك آنذاك ( لارس لوكي راسموسن ) وغيره؟ وهو ما ستعرفونه بإذن الله تعالى في الجزء الثاني من هذا المقال وبكل صراحة ... محمد العرجاني