أجمع عدد من علماء العالم الإسلامي أن القرار الصادر من هيئة كبار العلماء في المملكة أصاب كبد الحقيقة التي أتت به الشريعة السمحاء التي اختارها بديع السموات والأرض تعالى لعباده واصطفاها لهم دينا لعبادته وتقواه. واسترشدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن التعاون المفضي إلى ما فيه إلحاق الضرر وأذى الآخرين من مسلمين ومستأمنين ممن قطنوا ديار الإسلام، والبعد حتى عن استعدائهم في ديارهم، فإنه أمر محرم ومنكر، فمن اقترف ذلك عمليا، ماديا أو معنويا، مباشرة أو عبر آخرين، فإنه قد أتى جرما عظيما يتنافى ومنهاج الدعوة إلى الله تعالى بالإحسان، وتأليف القلوب عليه، وتحريم الضرر والإضرار بالغير، والرحمة العامة بالبشرية قاطبة. ووصفوا القرار بالصراحة والصرامة في بيان الحكم والموقف الشرعي من تمويل الإرهاب بجميع مناحيه، أدواته، خططه ومآربه، مفسرين أن للهيئة مواقفها الثابتة تجاه إيضاح حقيقة الإسلام وغاياته السامية تجاه الحياة والقضايا الجوهرية للسلم الأمني والاجتماعي، فضلا عن قضايا الإنسان وحقوقه. وجزموا في حديث إلى «عكاظ» أن القرار جاء موفقا لأنه استشهد بمحكم التنزيل، الأحاديث النبوية والحكم الشرعي المفصل الذي يحرم تمويل الإرهاب، لافتين إلى أن المسلمين حول العالم اعتادوا من الهيئة مثل هذه المواقف الصارمة تجاه كل ما من شأنه تشويه صورة الإسلام والمسلمين وتدمير حياتهم ومقدراتهم وإفساد أمنهم. وشدد علماء العالم الإسلامي على أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة معاقب عليها شرعا، سواء كان ذلك بتوفير الأموال أو جمعها أو المشاركة في ذلك بأي وسيلة، ولو كانت الأصول مالية أو غيرها، أو كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير ذلك، معتبرين أن المتورط في هذه الجريمة مرتكب لأمر محرم ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي.. فإلى ثنايا الرؤى: سد الأبواب اعتبر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي أن هيئة كبار العلماء بحثت الأمر من جميع جوانبه ونظرت في الأدلة الشرعية الصريحة التي تضبط التعامل مع المال، وأصدرت فتواها حماية للدين وغاياته حتى لا يستغل تحت أية ذريعة، فالآيات والأحاديث صريحة ولا مجال للتنقيب والتقليب في الأدلة، أو البحث عن المبررات. وأكد القرضاوي أن هيئة كبار العلماء في المملكة أكدت من جديد أنها تقف إلى جانب كل ما يعزز استقرار المجتمع وأمنه ولم تتساهل في إيضاح حقيقة الدين وموقفه في كل القضايا الأساسية التي تواجه المجتمعات، مبينا أن العلماء خير من يدرك ويقدر أهمية الأمن والاستقرار للدولة والمجتمع، وأنهم في كل الخطوب يتقدمون من يقفون إلى جانب الحق والعدل، وهذا ما فعلوه في محاربة ظاهرة الإرهاب فمازالوا يتصدون لها قولا وعملا. وأوضح القرضاوي أن تحريم تمويل الإرهاب متفق عليه بين علماء الأمة، فقد حاربته كل الشرائع والقوانين، لافتا إلى أن القرآن الكريم ندد بهذه الجريمة الكبرى، وشرع في عقوبتها حدا من أشد الحدود، ليردع مرتكبيها عن جريمتهم ويزجر غيرهم أن يفعل فعلتهم، مستشهدا بقول الله في سورة المائدة (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)، مشيرا إلى أن التقتيل أو التصليب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض لهؤلاء المجرمين، جاء لأنهم أخافوا السبيل، وأضاعوا أمن الناس، وبذلك اعتبرهم القرآن محاربين لله ورسوله، كما اعتبرهم ساعين في الأرض فسادا، لأن الارض لا تصلح ولا تعمر الا بالأمن، ولا يفسدها شيء مثل الخوف والتخويف والترويع. عين الصواب أكد كبير مفتي دبي الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد أن القرار الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في المملكة، هو عين الصواب الذي جاءت به الشريعة الغراء، مبينا أن الشريعة الإسلامية أوجبت على الناس أن يتعاونوا على الخير والبر والتقوى وما فيه منفعة البلاد والعباد، إذ أن التعايش والتعارف بين البشر لا يأتي إلا بذلك، ولا غنى لهم عنه، فلذلك استن لهم الإسلام هذا التعاون، وطبقه رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم لتتأسى به في واقعها العملي والعلمي والدعوي. وزاد الحداد: "أما التعاون على ما فيه ضرر وإساءة للآخرين من مسلمين ومستأمنين ممن يعيشون في ديار الإسلام، ناهيك عن استعداء من هم في ديارهم، فإنه أمر جلل ومحرم ومنكر، فمن فعل ذلك عمليا، ماديا أو معنويا، مباشرة أو بواسطة آخرين، فإنه يعتبر في نظر الإسلام قد أتى جرما كبيرا يتنافى مع مناهج الدعوة إلى الله تعالى بالإحسان، وتأليف القلوب عليه، وتحريم الضرر والإضرار بالغير، والرحمة العامة بالبشرية». ولفت كبير مفتي دبي إلى أن تحريم الإضرار بالناس من الأمور المسلمة لدى جميع أفراد علماء المسلمين وعقلائهم، ولا شك في ذلك عندهم، فمن تنكب هذه الخطوط العريضة، والمناهج المستقيمة التي خطها الإسلام ورسمها لأهله، فإنه يكون مسيئا للإسلام أيما إساءة، ومسيئا للمسلمين البراء من هذا المنكر، إذ يكونون عرضة للتهمة بما تشرفوا به من إسلام، كما أنه يكون مسيئا لوطنه الذي يعرضه للأذى من قبل غير المسلمين الذين يتربصون بأوطان المسلمين وأهل الإسلام الدوائر، ناهيك عن أن يكون في ديار المسلمين وفي أوساطهم. وأكد الحداد أن المساهمة في قتل الأبرياء وإزهاق الأرواح كالمباشرة في قتلهم، مستشهدا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله)، فكيف بمن يمول بشراء السلاح أو دفع مرتبات، فإن هذا مشاركة في القتل الذي يكون صاحبه في جهنم خالدا فيها أبدا، إذ لولا ذلك التمويل لم يحصل شيء من ذلك الأذى لأبرياء. وأوضح كبير مفتي دبي أن القاعدة الشرعية بينت كل التفاصيل فقالت: «إن للوسائل أحكام المقاصد»، كما أن في الحديث الشريف (من أعان على خصومة بظلم، أو يعين على ظلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع). وزاد الحداد: «إذا كان الإسلام قد حرم كل الذرائع التي توصل إلى المفاسد كسب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أذية المسلمين، كما قال سبحانه: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم)، فكذلك الذرائع التي توصل إلى أذية المسلمين وانتقاص دينهم، فضلا عن ذرائع الصد عن دين الله تعالى، بوصمه بالإرهاب، فكل ذلك يعتبر من المنكرات في الإسلام، التي تستوجب العقاب الزاجر والقول الغليظ لأولئك الذين ضلوا عن سواء السبيل. واعتبر الحداد تمويل الإرهاب تعديا على حقوق الفقراء وأهل الحاجة من المسلمين، الذين يحرمون من هذه الأموال بصرفها لغيرهم، كما أنهم يحرمون بفعل التضييق عليهم بجناية سفهاء قومهم، مشيرا إلى أن القرآن نعى على من يكون إنفاقهم صدا عن سبيل الله تعالى كما كان من مشركي مكة الذين قال عنهم (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون). ولفت إلى أن الآية الكريمة تقصد الذين يكون إنفاقهم سببا للصد عن سبيل الله تعالى، بجعل الناس يكرهون الإسلام وينفرون منه ويصفونه بشر الصفات، وهو الدين الحق الوسطي المرضي عند الله تعالى الذي لا يقبل دينا سواه. وأزجى الحداد الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائلا: «جزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على حرصه الكبير على دينه الذي اؤتمن عليه، فوجه العلماء لبيان شرع الله القويم، في هذا الخطر الجسيم والمنكر الأليم، فاستجابوا لندائه الكريم»، كما شكر هيئة كبار العلماء على جهودهم العلمية في خدمة الإسلام وأهله. غايات سامية أما مفتي مصر الدكتور علي جمعة فأكد أن موقف هيئة كبار العلماء السعودية يعكس الغايات السامية للإسلام الذي يؤكد في هديه أن عمارة الأرض هي أصل وجود الإنسان، موضحا أن المشروع دعم هذه الغايات والمقاصد النبيلة. واعتبر أن بيان الهيئة واضح، حيث وضع عمليات التمويل للإرهاب في مرتبة الجريمة المحرمة، وهو ما يشكل رادعا ومرشدا لمن يجهلون خطورة تمويل الإرهاب أو لمن يجرون خلف الفتاوى للبحث عن مبررات لتمويل المجموعات الإرهابية. وأكد أن المملكة لم تأل جهدا في خدمة الإسلام والدعوة إلى تصحيح صورة الإسلام الذي يتهم الآن بأنه دين إرهاب وتطرف، كما أن علماء المملكة وقادة الفكر والثقافة لم يألوا جهدا في نشر الدعوة إلى نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام ونشر ثقافة التسامح ونبذ التشدد. واستشهد جمعة بمؤتمرات مكافحة الإرهاب التي تنظمها المملكة وتدعمها وتدعوا إليها، موضحا أن هذه المؤتمرات كشفت عن مفاهيم بحاجة إلى تصحيح في أذهان المسلمين وغيرهم، وذلك ببيان أن الإسلام أول رسالة سماوية جاءت بعقوبات مغلظة ضد كل من تسول له نفسه ارتكاب أية جريمة إرهابية. وزاد مفتي مصر «شريعة الإسلام حرمت على الإنسان المسلم أن يروع الناس، كما حذرت بشدة من قتل النفس إلا بالحق ونهت عن التخريب للمساكن وللمنشآت العامة والخاصة، وعن تدمير المؤسسات الصناعية والاقتصادية التي هي مصدر خير للأمة، وعن الإفساد في الأرض بأي لون من ألوانه التي فيها من الظلم والبغي واغتصاب أموال الناس بالباطل وانتهاك أمنهم وكرامتهم». وأكد جمعة على ضرورة مواصلة الجهود العلمية لمحاربة الخرافة والجهل والإفساد «إن وظيفة من رزقهم الله العلم الصحيح النابع من كتاب الله ومن السنة النبوية الشريفة، والخالي من الخرافات ومن التأويلات الباطلة أن يواصلوا جهودهم الصادقة والمخلصة، لإرشاد هؤلاء الإرهابيين بصفة خاصة، ولإرشاد غيرهم بصفة عامة». واعتبر أن الجهود التي تبذلها المملكة في مواجهة أفكار التطرف والإرهاب تمثل نموذجا يحتذى به في نشر الفكر المعتدل والوعي بمفاهيم ومبادئ الإسلام الصحيح وتحصين الشباب ضد الانغلاق والاهتمام بمشروعات التنمية والتعليم، مشيرا إلى أن ما تشهده المملكة الآن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من طفرة حضارية تركز على الاهتمام ببناء الإنسان الصالح التي جعلت من المملكة واحة للأمن والأمان، مؤكدا «يكفي لانتشار نعمة الأمان في المملكة أن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام اختار هذه النعمة كدعاء لأشرف الأماكن والبلاد، مكةالمكرمة، كما جاء في قول الله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا)». صراحة ووضوح وأكد وزير الأوقاف السوداني الأسبق الدكتور عصام البشير أن القرار الصادر من هيئة كبار العلماء في المملكة بشأن تجريم تمويل الإرهاب اتسم بالصراحة والوضوح، مقرا أنه بذلك زالت كل حجج المبطلين الذين يريدون فسادا في الأرض وتدميرا للمقدرات والمكتسبات. وأردف أن النقطة الأهم من تجريم تمويل الإرهاب تعود إلى تعدد وسائل التمويل، ما جعل صدور الفتوى التي تبين الأشكال والصور التي يتم من خلالها التمويل دليلا قاطعا على أن الإسلام بريء من الإرهاب وكل الطرق التي تؤدي إليه. وشدد البشير على أن الاسلام بريء من الغلو والتطرف، كما أنه يدعو إلى نشر الوسطية ونبذ العنف والارهاب، موضحا أن في نشر الوسطية مواجهة للانحراف والتطرف والغلو من جهة والانحراف السلوكي والتسيب والتحلل الاخلاقي من جهة أخرى. معالجة القضايا من جانبه، أكد مفتي شمال لبنان الدكتور مالك الشعار أن القرار الذي أصدرته هيئة كبار العلماء جاء ليعالج هموم الأمة الإسلامية ويقف في صف شؤونها وقضاياها. وقال الشعار «كعادته خادم الحرمين الشريفين دائم اليقظة بعيد النظر واسع الأفق يحتضن في رعايته حالة العالم الإسلامي والعربي في هموم القريب والبعيد، كما يحتضن هم أبنائه وشعبه في المملكة». وزاد «إن قضية الإرهاب ومخاطرها ومفاسدها لا تكاد تغيب في شرها وفسادها على ذي لب وبصيرة على الإطلاق، وبذلك فإن إجماع علماء العالم الإسلامي على رفض التطرف والإرهاب كإجماعهم على عدم جواز تمويله أومساعدته بل تحريم السعي والإنفاق على هؤلاء الخارجين عن القانون والعدالة وعلى دولهم التي رفضوا الانصياع لمنطق العدل والحق فيها». وبين أن خطاب خادم الحرمين الشريفين كان كلمة توجيه سامية منه إلى مفتي عام المملكة، وبمثابة النداء إلى مفتي العالم الإسلامي كله وإلى المسؤولين في العالم الإسلامي والعربي برمته، بأن يكونوا على يقظة دائمة ويبادروا إلى أخذ الموقف الحازم لقطع كل يد تمد العون والمساعدة للفاسدين والمجرمين الخارجين عن العدالة والقانون. واستشهد الشعار بقول الله تعالى عن المجرمين (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)، مبينا «هذا القرار الصادر من المملكة يوجب تحية إكبار إلى خادم الحرمين الذي يعتز به العالم العربي والإسلامي على حد سواء ولعلماء المملكة المخلصين».