اسمحوا لي قراء جريدة الخرج اليوم الإلكترونية أن أكتب اليوم عن موضوع وجداني إنساني وقد أعتدتم أن أكتب في مجالات مختلفة بعيدة عن الوجدانيات ، وأرجو أن يحوز المقال على إعجابكم ..... قال لي صاحبي مرة ونحن نتسامر في إحدى ليالي الصيف أن حياته وأفكاره تغيرت عندما رزقه الله الذرية بعد صبر واحتساب دام خمسة عشر عاماً منذ زواجه ، وكيف أن طعم الفرح بعد الصبر لا يوصف ، وكيف أن ابتسامة زوجته وسعادتها لم تفارق صفحة وجهها منذ ذاك ، وكيف أن الوالدين والأقارب والأصدقاء قد شاركوه السعادة و الفرح بالخبر السعيد . إلا أنه أردف قائلاً أن كل ذلك في كفة وإحساسي بمعنى الأبوة في كفة أخرى ، وأنه كان يقرأ الآية الكريمة في سورة الإسراء قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا أياه وبالوالدين إحسانا .... الآية ) وكذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " عندما سئل عن من أولى الناس بصحبتي فقال أمك ثم امك ....... الحديث " فلم يكن يستشعرها كما استشعرها الآن ويحس بعظمة حق الوالدين وبالأخص الأم ، إلا بعد أن رأى بأم عينيه صبر زوجته كأم على طفلها وسهرها لراحته دون أن تشتكي أو أن تتعب . ثم قال – وعينيه تمتلئان بالدموع - عند شعوري بعظمة الأم تذكرت أمي فقط دون أن أضيف إليها أي وصف مضاف يقصر عن وصفها ، تلك الأم التي ربت وتعبت تلك الأم التي كانت تبحث عنا ونحن صغاراً في طرقات الحي عندما نتأخر خوفاً علينا من أي مكروه وحفاظاً على نظام البيت المتقن ، وكيف أنها كانت تعاقب وبصرامة من يحاول أن يخرج عن هذا النظام . وأتذكر كيف كانت تحني ركبها لساعات طويلة لتراجع معنا ما تعلمناه في المدرسة ، وأتذكر كيف كانت دموعها تسبق ابتسامتها عندما نتحطى المرحلة تلو المرحلة في التعليم ، وكيف أن قلبها كان عظيماً يعفو ويصفح عن الزلات ولو كبرت ، يعرف متى يقسو ومتى يرحم وإن كانت رحمتها تسبق قسوتها دوماً . تلك الأم التي لا تزال تحمل هم أبناءها رغم بلوغهم سن الرشد بل رغم أن بعضهم قد استقل في بيت الزوجية . تلك الأم التي أخذت منها السنوات ما أخذت من صحتها وعافيتها ورونقها إلا أنها لم ولن تستطع أن تسلب ولو ذرة من عظمتها ( حبها – عطفها – عقلها – تضحيتها – وجمال روحها ) . انتهى كلامه وانفض المجلس وأخذت أفكر في حديثه ، ودارت عجلة ذكرياتي مع أمي فخلتها أعظم من أمه ، بل إنها ودون مبالغة من أعظم الأمهات وأكثرهن تضخية . فإليك أمي الحبيبة أهدي لك قلبي ، ودعائي لك بالفردوس الأعلى من الجنة ...... آمين . صقر بن سعد الفوزان