رصد تقرير صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية باللغتين العربية والإنجليزية الإجراءت التي اتخذتها المملكة، لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا، والتدابير اللازمة التي اتسمت بالجدية الفائقة لمكافحة الوباء. واستعرض تفصيلياً الاستجابة المبكرة لتلك التداعيات؛ حين قامت المملكة في 27 فبراير بتعليق قدوم المعتمرين إلى الحرمين الشريفين – داخلياً وخارجياً – وهو إجراء أشادت به منظمة الصحة العالمية، ثم ما كان من منع الدخول إلى محافظة القطيف والخروج منها، بعد اكتشاف إحدى عشرة حالة إصابة بالفيروس التاجي، في خطوة سبقت بها المملكة دول المحيط الإقليمي جميعها. كما كشف أن المملكة سارعت إلى تنفيذ خطوات الإغلاق والتباعد الاجتماعي وتعليق الأنشطة الرسمية والمجتمعية، حيث فرضت حظراً كلياً أو جزئياً في جميع أنحاء البلاد – حسبما تقتضيه الحالة – كما تم تعليق الدراسة في جميع مراحل التعليم، وكذلك تعليق العمل في جميع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وفرض آلية الدراسة والعمل من بعد، وإغلاق المساجد والمسارح ودور السينما والمراكز التجارية والمطاعم، ومنع التجمعات في الأماكن العامة الأخرى، وعدم السماح بالخروج والعمل إلا للضرورة الحتمية، بالإضافة إلى وقف الرحلات الجوية المحلية والدولية. من ناحية أخرى، واجهت المملكة الآثار السلبية التي فرضتها الجائحة على الاقتصاد المؤسسي (الدولة) والفردي (المواطنين والشركات)، وتعهدت بإصلاح ذلك كله عبر باقات دعم مالية بلغت 177 مليار ريال (47 مليار دولار)، والالتزام بدفع 60% من رواتب الموظفين السعوديين في القطاع الخاص، ورفع سقف ديونها إلى ما يعادل نصف دخلها الإجمالي المحلي. وتوافقت الخطوات التي اتخذتها المملكة مع الإجراءات التي أطلقتها معظم دول العالم في مواجهة الكارثة الصحية، ومنها، بالإضافة إلى ما سبق ذكره: خفض الإنفاق الحكومي، وتشغيل رحلات استثنائية لإعادة مواطنيها العالقين في دول أخرى، وتوفير حزمات مالية بلغت مئات المليارات من الريالات لتحفيز الاقتصاد ودعمه؛ سواء بإعادة هيكلة الديون، أو توفير التمويل للعمال الذين فقدوا وظائفهم، أو دفع أجور عمال القطاع الخاص لمدة ثلاثة أشهر، وكذلك دعم القطاع الخاص بالسماح لأرباب الأعمال بتأجيل دفع الضرائب وإلغاء بعض الرسوم الحكومية، وتغذية القطاع الصحي باحتياجاته كافة، واستيراد المواد الغذائية – وأهمها القمح – التي تغطي حاجات المواطنين والمقيمين، وغير ذلك من عشرات الإجراءات التي اتخذتها المملكة من أجل تخفيف وقع آثار الجائحة على الناس. وعلى المستوى الإنساني، قدمت المملكة عشرة ملايين دولار دعماً مادياً لمنظمة الصحة العالمية، وأسهمت بخمسمئة مليون دولار في جهود الإغاثة الدولية، بالإضافة إلى التبرع بكميات هائلة من المعدات الطبية المختلفة لبعض الدول التي تعاني من آثار الجائحة أكثر من غيرها. كما أن المملكة، في خضم تلك التداعيات، لم تنس واجبها نحو الشعب الفلسطيني؛ فقامت بتقديم مبلغ عشرة ملايين ريال (2.66 مليون دولار) لإعانة الفلسطينيين على مواجهة آثار الجائحة. أما ما انفردت به المملكة في مجال مواجهة الجائحة؛ فقد تمثل في توفير العلاج المجاني الكامل لمواطنيها، وكذلك لأي مقيم على أرضها، حتى لو كان مخالفاً لأنظمة الإقامة الرسمية، وتحويل قرابة 3500 منشأة مدرسية إلى وحدات سكنية مؤقتة للعمالة الوافدة لمنع الاكتظاظ، وما تعهد به الملك سلمان من تزويد الجميع – مواطنين ومقيمين – بالأدوية والغذاء وضرورات الحياة خلال الأزمة، وكذلك التعاقد الذي أبرمته المملكة مع مجموعة جي بي آي الصينية بقيمة مليار ريال (265 مليون دولار) لإجراء تسعة ملايين فحص طبي للفيروس، وإنشاء ستة مختبرات فنية، وتوفير خمسمائة خبير وفني متخصص في هذا المجال. وقد بلغت الفحوصات التي أجريت حتى 19 مايو أكثر من 618 ألف فحص لجميع الفئات الأكثر عرضة للوباء. ولم تقف الجائحة عائقاً أمام المملكة في القيام بدورها في قيادة مجموعة العشرين في دورتها الحالية؛ فسارعت إلى عقد مؤتمر افتراضي لقادة المجموعة برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأسفر المؤتمر عن عدة قرارات، أهمها: تعهد دول المجموعة بمبلغ سبعة تريليونات دولار لدعم الاقتصاد العالمي المتعثر جراء الجائحة، وتأسيس صندوق لتمويل مكافحة الوباء، وتعليق سداد الديون المستحقة على الدول النامية.