أكد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في مقابلة خاصة أجرتها معه "العربية.نت"، أنه لا يعتزم توريث ابنه حافظ مقاليد الحكم في البلاد، مؤكدا على أن تونس تدعم سياسة المملكة العربية السعودية. وشدد على على "أن الدول العربية مطالبة اليوم أكثر من السابق، بضرورة التعامل بكل واقعية ومرونة مع التحولات الجيواستراتيجية، المتسمة بالسرعة، والمؤذنة بخلق واقع سياسي وحتى جغرافي جديد". وأشار إلى أننا – كعرب – "مطالبون بالمشاركة في صنع المستقبل، وليس الاكتفاء بالفرجة"، معتبرا "أن للعرب نقاط قوة عديدة عليهم توظيفها من أجل تحسين موقعهم التفاوضي في نحت مصير المنطقة، وكذلك من أجل ضمان الاستقرار لدولهم وإقليمهم، خاصة في الخليج العربي والشرق الأوسط التي تعد أكثر المناطق "سخونة" في العالم". وفي هذا السياق، قال قائد السبسي "إن تونس لا يمكن لها إلا الانتصار لانتمائها العربي في الصراع الدائر اليوم في الخليج العربي"، مشيرا إلى "أن المملكة العربية مستهدفة، وليس لنا من خيار إلا الوقوف معها ومساندتها". حماسة خليجية لدعم تونس وأشار السبسي إلى أنه أجرى جولة خليجية مؤخرا، شملت المملكة العربية السعودية، ثم دولة الكويت ومملكة البحرين، ولمس وعيا كبيرا بضرورة إعادة بناء النظام العربي، حتى يكون قادرا على صد التهديدات واحتواء المتغيرات، مبرزا أن التحديات تتطلب أقصى درجات التعاون. وهنا أكد السبسي، على "أن دول الخليج عبرت عن حماسة لدعم تونس"، مؤكدا على "أن الأيام القادمة ستشهد اجتماع خليجي كبير ومهم سيخصص للنظر في كيفية مساندة تونس"، وقال السبسي أنه دعا الخليجيين الى الاستثمار في تونس، من أجل خلق التنمية والثروة، وبالتالي خلق مواطن شغل في تونس، مع استفادة رأس المال الخليجي، أي تعاون على قاعدة ربح الجانبين، مشددا على أن هناك مجالات وفرص كبيرة للاستثمار في تونس. الوضع في تونس صعب وهش وتعليقا على تطورات المشهد التونسي بعد خمس سنوات من الثورة، خصوصا بعد تفجر الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها عدة محافظاتتونسية خلال الأيام الأخيرة، قال الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي: "نعترف ونقر بأن الوضع في تونس صعب جدا، وليس أمامنا إلا العمل على تجاوزه، عبر ابتداع الحلول المناسبة وفق ما يتناسب ووضع البلاد، وكذلك الوضع المحيط بنا الذي يتسم بأزمة اقتصادية في أوروبا الشريك الاقتصادي الأول لنا، وأيضا لدى دول الخليج بعد تراجع ثمن البترول". كما أكد السبسي أن الحكومة الحالية ورثت وضعا صعبا، لكنها تتمسك باستمرار المرفق العام، أي باستمرار الدولة، مشيرا إلى أن فترة حكم الترويكا بقيادة الإسلاميين لم تكن موفقة في إدارة البلاد، وهو ما يفسر عملية "انزلهم من الحكم بطريقة سلمية وديمقراطية". وهنا شدد السبسي على أنه مع خيار "إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية"، وهي برأيه "فرصة لاختبار صدق إيمانهم بالخيار الديمقراطي". وقال السبسي "إن النجاح السياسي كان على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي"، مشيرا إلى "أن الثورة التونسية لم تحقق إلى اليوم مطالبها الرئيسية، وهي الكرامة والشغل، فلا يمكن أبدا تصور كرامة بدون تأمين الحق في الشغل، وفي حياة تؤمن ظروف العيش الكريم الذي لا يتم إلا بتوفير الشغل". وشدد السبسي على أن مطالب المحتجين في الجهات المحرومة، في القصرين وسيدي بوزيد وغيرهما من الجهات "شرعية ولا يمكن أبدا تجاهلها"، لكنه اعتبر "أن هناك من حاول اختطاف هذه الحركة الاحتجاجية، من خلال بث الرعب والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وهناك من حاول أيضا توظيفها عبر تبني خطاب يتحدث عن "ثورة ثانية"، أو استكمال "المسار الثوري" الذي انطلق في 14 يناير 2011، وهو خطاب سياسي غير واقعي، فالنظام السياسي الحالي هو نظام ديمقراطي ومنتخب، ولا يمكن إسقاطه إلا عبر صناديق الانتخاب عبر العودة للشعب". متطرفون حاولوا اختطاف الاحتجاجات كما أكد قائد السبسي على "أن من حاول التخريب وإحداث الضرر بالبلاد، بمناسبة الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة، هم معلومون عندنا، ونحن نعرفهم جيدا بالأسماء وبالانتماء السياسي، وأجهزة الدولة سوف تقوم بتطبيق القانون"، مبرزا أنه "لا يتهم أحدا بدون بيانات ومعلومات موثقة وصحيحة". وإجابة عن سؤال حول الأطراف التي توجه لها بالاتهام بتغذية الاحتجاجات والنفخ فيها، وبالتالي محاولة إخراجها عن مسارها السلمي، لم يتردد الرئيس في الإشارة إلى أن هناك حساسيات يسارية "متطرفة"، سعت إلى توظيف الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها تونس. وأكد الرئيس ل"العربية.نت" أنه سيعلن قريبا في خطاب موجه للتونسيين عن "الطرف" الذي قصده بالتورط في توظيف الاحتجاجات الأخيرة. التوريث يتعارض مع الدستور وبسؤاله حول أزمة حزب "نداء تونس" التي حولها إجماع على أنها أثرت على المشهد العام في البلاد، وأربكت أداء الحكومة وكذلك بقية مؤسسات الحكم (البرلمان والرئاسة)، أوضح الرئيس قائد السبسي أن أزمة "نداء تونس" كان لها تأثير سلبي، وهو ما جعله يتدخل لإيجاد مخرج لها، دون أن ينتصر لطرف على حساب الطرف الآخر، وفق تأكيده. كما أكد السبسي أن طرفي الصراع في "نداء تونس" تنقصهما الحكمة، وهو ما جعلهما لا يهتديان إلى إدارة موفقة للصراع داخل الحزب، مشيرا إلى أن الحزب سيستعيد عافيته قريبا، خصوصا أنه مؤتمن على تثبيت التوازن السياسي الذي هو أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تعرفه تونس. وفي هذا الإطار، نفى الرئيس السابق ل"نداء تونس" ورئيس البلاد حاليا، ما يروج من "مهاترات" وفق قوله، حول نيته، بل سعيه "التوريث" لابنه حافظ قائد السبسي في زعامة الحزب، وبالتالي حكم البلاد مستقبلا. وقال السبسي أريد أن أؤكد مرة أخري أن "التوريث" لا يمكن أن يحدث في تونس، فتونس يحكمها دستور ديمقراطي، وأنا لن أخترقه بوصفي المؤمن عليه أخلاقيا وقانونيا، مشيرا في هذا الإطار إلى أن "خلق خرافة التوريث" كان المستهدف منه الرئيس رأسا. متمسك بالصيد رئيسا للحكومة كما سألت الرئيس التونسي عن رأيه في التقييم الذي يتهم الحكومة الحالية بالفشل، وهل هناك نية لتغييرها، خاصة تغيير رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد؟ وبالمناسبة، أكد قائد السبسي "أن الحكومة الحالية ليست حكومة "نداء تونس" ولا أي حزب آخر، بل هي حكومة تونس"، وهو ما اخترته من الأول بعد فوز "النداء" بالأغلبية في الانتخابات. وأضاف قائلا: "رفضت تشكيل حكومة يرأسها ندائي، أي قيادي من الحزب الفائز بالأغلبية مثلما ينص على ذلك الدستور"، مشيرا إلى "أن حكومة الصيد لم تفشل، وأنه مازال متمسك به – الحبيب الصيد - لرئاسة الحكومة، على اعتبار أنه الخيار الأفضل لإدارة هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ تونس"، وفق تأكيده. وأكد الرئيس السبسي أنه متمسك بالتوافق السياسي الحالي الذي تشارك فيه حركة "النهضة" الإسلامية، التي قال إنها تغيرت كثيرا، وإنه ينتظر منها أن تؤكد ذلك في مؤتمرها القادم في شهر مارس مثلما أعلنوا. لا تراجع عن المسار الديمقراطي من جهة أخرى، قال السبسي إنه توجد معارضة راديكالية، داعيا إياها إلى احترام الأغلبية، مشددا على أن هناك إطارا دستوريا للحوار (البرلمان)، وبالتالي يرى أنه لا يوجد معنى للدعوة لفض الصراعات السياسية في الشارع. وفي ما يتعلق بمستقبل التجربة التونسية، في ظل استقرار سياسي وأمني واجتماعي "هش"، أكد الرئيس قائد السبسي أنه لا خيار لنا كتونسيين إلا الاستمرار في دعم وحماية المسار الديمقراطي من الانتكاس. وتابع "لابد أن ننجح في حسن إدارة التعايش بين جميع الحساسيات"، مشددا على أنه رئيس لكل التونسيين، وأنه الضامن لتطبيق الدستور وعدم الزيغ أو الانحراف به. كما شدد الرئيس التونسي على أن الخطر الإرهابي استهدف ولا يزال تونس، مشيرا إلى وجود تحديات أمنية كبيرة تواجه بلاده، سواء التي تتصل بالوضع الداخلي، أو تلك المتأتية من ليبيا، التي قال السبسي إن "داعش" استوطن فيها، وهي لم يعد يفصلها عن تونس سوى 70 كيلومترا. وقال السبسي إن هذا البلد – ليبيا - غابت فيه الدولة، وتسيطر عليه الجماعات والميليشيات المتصارعة، وهو وضع له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في تونس.