دوري عنيد    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    موجز    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في ختام التعاملات    لك حق تزعل    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    القمة الثلاثية تطالب بوقف إطلاق النار ودعم دولي للسلطة الفلسطينية    الأميرة هيفاء آل سعود: الفعاليات الرياضية استقطبت 14 مليون سائح    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    في ظهوره الثاني هذا الموسم.. جماهير الاتحاد تشيد بمستوى الأسباني هيرنانديز في ديربي الغربية    "يلو 28".. قمة الوصافة وديربي حائل في أبرز مواجهات الجولة    موهبة عالمية جديدة على رادار الهلال    هل حان الوقت لالغاء الموافقات التأمينية؟    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    طيران الرياض وأسعار التذاكر    اقتصاد وطني قوي    الأراجيف ملاقيح الفتن    رجال الأمن صناع الأمان    100 ألف ريال غرامة تأخر الإبلاغ عن الحاج أو المعتمر المنتهية مدة إقامته    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأميركي تطورات الأوضاع الإقليمية    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    6% نموا سنويا في سوق الصدامات بالمملكة    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    25% انخفاضا بمخالفات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    الموظف واختبار القدرات    العراق: المحادثات بين السوداني وقادة الفصائل تحرز تقدماً    يوم الصحة العالمي.. المملكة تعزز الوعي    أكثر من 8000 مستفيد من خدمات " إرادة" في رمضان    حضور لافت لثقافات متعددة بمعرض ليالي في محبة خالد الفيصل    قادة مصر والأردن وفرنسا يدعون إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار في غزة    فيصل بن بندر يستقبل محافظ الدرعية وأمين الرياض    أمير جازان يدشّن حملة سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «طويق»    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    أمانة جمعية الكشافة تقيم حفل معايدة لمنسوبيها    السعودية تتأهل لكأس العالم لكرة القدم تحت 17 عاما للمرة الرابعة في تاريخها    "أمالا" تُثري بينالي الفنون الإسلامية بجلسات حوارية وورش عمل مبتكرة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    منصة TikTok فرعية للفنانين    هجوم دموي جديد يعمق معاناة المدنيين في السودان    «أبوظبي» يطلق مؤشراً لقياس «قوّة ارتباط المجتمع باللغة العربية»    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يستحق المعروف ؟
نشر في جازان نيوز يوم 16 - 09 - 2022

يَحُثُّ دِينُنا الإسلاميُّ على الإحسانِ والعطاءِ والمُؤازرةِ والمودَّةِ والأُلفةِ والمُؤاخاةِ ونشرِ الخيرِ ، فالمسلمُ أخو المسلمِ في كلِّ مكانٍ ، لا فرقَ بينَ عربيٍّ وأعجميٍّ ، أو أبيضٍ أو أسودٍ ، أو غنيٍّ أو فقيرٍ ، لا فضلَ ولا تفاوتَ بينَ مسلمٍ وآخَرٍ إلا بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ ، قالَ اللهُ تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات
المؤمنُ التقيُّ لا يتفرَّدُ في عملِ الخيرِ على فئةٍ مُحددةٍ ، بل عليهِ أنْ يُقَدِّمَ الخيرَ لِمَن يعرفُ ولِمَنْ لا يعرفُ ؛ وإلَّا فقد يُحرَم الثوابَ والخيرَ الكثيرَ .
فينبغي علينا أنْ نجعلَ جميعَ أعمالِنا الخيِّرةِ للهِ سبحانَهُ وتعالى لا لأحدٍ سِواهُ ، لا ننتظرُ الردَّ والجزاءَ إلَّا مِنَ اللهِ ، قالَ اللهُ تعالى : ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير (110) سورة البقرة
قَدِّمْ المعروفَ والجميلَ للغيرِ ، تعاونْ وساعِدْ وأسعفْ وأعِنْ وادعمْ وناصِرْ وأجِرْ وأغِثْ وأنقِذْ واشفعْ وَمُدَّ يَدَ العونِ لكلِّ مَنْ يحتاجُكَ على حَسبِ استطاعتِكَ .
قالَ اللهُ تعالى : ( وَيُسَٰرِعُونَ فِي 0لۡخَيۡرَ ٰ⁠تِ وَأُو۟لَٰۤئك مِنَ 0لصَّٰلِحِينَ (114 ) سورة آل عمران
وعَنْ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ : (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللهُ عنْهُ كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ ، يَسَّرَ اللهُ عليهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا ، سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ) . متفق عليه
وعَنْ أبِي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ : ( كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ : اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، ويَقْضِي اللهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ ) رواه البخاري في صحيحه
وقالَ الحكيمُ بزرجمهرُ : خيرُ أيامِ المرءِ ما أغاثَ فيهِ المضطرَّ ، واحتسبَ فيهِ الأجرَ ، وارتهنَ فيهِ الشُّكرَ ، واسترقَّ فيهِ الحرَّ .
وقد قرأنا الكثيرَ مِنَ القصصِ والحِكَمِ والأشعارِ التي تُعبِّرُ عَنْ صُنعِ المعروفِ في غيرِ الأهلِ ، ومِنها ما قد يُصيبُ ومنها وقد يُخطئ ، وما يهمُّنا في صُنعِ المعروفِ الذي نقدِّمهُ أن يكونً خالصًا لوجهِ الكريمِ ، حتَّى لَوْ قُوبِلَ بالجحودِ والنُّكرانِ .
وبلا شكٍّ فإنَّ عملَ الخيرِ أولى مِن زرعِ شجرةٍ ، ومعَ هذا فقد قالَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( إن قامَتِ السَّاعةُ وَفِي يدِ أحدِكُم فسيلةً ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرِسْها ) حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
انظُرْ إلى شدَّةِ الموقفِ ، ترى الشَّمسَ تُخالفُ المُعتادَ ، فتشرقُ مِن حيثُ تغربُ ! وأنتَ في يدِكَ فسيلةٌ ، فهلْ تستطيعُ أنْ تغرِسَها ؟
وإذا تفاجأتَ بِرؤيةِ دابّةٍ ضخمةٍ مُخيفةٍ ، لم ترَ لها مثيلًا في حياتِك تكلِّمُكَ ! وأنتَ في يدِك فسيلةٌ ، فهل تستطيعُ أنْ تغرٍسَها ؟
وإذا خرجتَ مِنْ منزلِكَ وشاهدتَ دُخانًا كثيفًا غيرَ مألوفٍ ، يملأُ ما بينَ السماءِ والأرضِ ، يٌصِيبكَ بالزُّكامِ ولا ترى مِنْ خلالهِ شيئًا ، وفي يدِك فسيلةٌ ، فهلْ تستطيعُ أنْ تغرِسَها ؟
بِلا شكِّ ، لَنْ تستطيعَ أنْ تعملَ شيئًا في تِلكَ المواقفِ الرَّهيبةِ المرعبةِ المخيفةِ ، لكن في ذلك حَثٌّ وترغيبٌ على فعلِ الخيرِ في أيِّ موقفٍ مهما كانَ .
فكما غَرَسَ وتعِبَ غيرُكَ ؛ لتكسبَ وتأكلَ وتنتفعَ ، اغرسْ أيضًا أنتَ لغيرِك ؛ ليكسبَ ويأكلَ وينتفعَ ؛ فأحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ .
عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهُما قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلى اللهِ ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ ؟ فَقَالَ : ( أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفعهُم للنَّاسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنهُ كُربةً ، أو تقضِي عنهُ دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنهُ جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ معَ أخٍ في حاجةٍ ، أَحَبُّ إليَّ مِن أنْ اعتكِفَ في هذا المسجدِ شهرًا (يعني المسجد النبوي) ، ومَنْ كظمَ غيظَهُ ولو شاءَ أن يُمضِيَه أمضاهُ ؛ مَلأَ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضا ، ومَنْ مشى معَ أخيهِ في حاجةٍ حتَّى يَقضِيَها لَهُ ، ثبَّتَ اللهُ قدمَيْهِ يومَ تزولُ الأقدامُ ) حديث حسن لغيره
وأرَى - واللهُ أعلمُ - أنَّ عملَ المعروفِ شبيهٌ بإماطةِ الأذى عَنِ الطريقِ ، فإذا تكاسلَ كُلُّ مسلمٍ أو امتنعَ عَنِ القيامِ بإماطةِ الأذى عَنِ الطريقِ ، وقعتْ مشاكلُ وأضرارٌ لا تُحمَدُ عُقْباها .
فَإِذا أزحتَ حجرةً كبيرةً أو شجرةً ، أو أبعدتَ خشبةً بها مساميرُ ، أو أخذتَ زجاجًا مكسَّرًا من طريقٍ في أيِّ مكانٍ ، فقد فعلتَ الخيرَ وصنعتَ معروفًا .
وفي إماطةِ الأذى عنِ الطَّريقِ أجرٌ كبيرٌ وفوائدُ نافعةٌ مِنها :
- أنَّها سببٌ لدخولِ الجَّنةِ ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ ) رواه مسلم
- أنَّها سببٌ لمغفرةِ الذُّنوبِ ، فعنْ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( بينَما رجُلٌ يمشِي بطريقٍ وجَدَ غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذَهُ - وفي رواية فأخَّرَهُ - فشكَر اللهُ لَهُ فغفَرَ لَهُ ) حديث صحيح رواه البخاري وابن حبان
- أنَّها بابٌ في زيادةِ الحسناتِ ، كَانَ مُعَاذٌ بن جبلٍ رضيَ اللهُ عنهُ يَمْشِي وَرَجُلٌ مَعَهُ ، فَرَفَعَ حَجَرًا مِنَ الطَّرِيقِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَفَعَ حَجَرًا مِنَ الطَّرِيقِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) أخرجه الطبراني والبيهقي وحسنه الألباني
- أنَّها نوعٌ مِن أنواعِ الصَّدقاتِ ، فعنْ أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( تبسُّمُكَ في وَجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهيُكَ عنِ المنْكرِ صدقةٌ ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ ، وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعظمَ عنِ الطَّريقِ لَكَ صدقةٌ ، وإفراغُكَ مِن دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ ) أخرجه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني
وعَن أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، كل يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، قَالَ : تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، قَالَ : وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ) متفق عليه
فصِناعةُ المعروفِ مِن أجَلِّ الأعمالِ الَّتي حَثَّ عليها دِينُنا الحنيفُ ورغَّبَ فيها ؛ وذلك لأنَّ المسلمَ أخو المسلمِ ؛ ولأنَّ المُسلمِينَ كالبنيانِ الواحدِ يَشدُّ بعضُهُ بعضًا ؛ ولتسودَ المحبَّةُ بينَ أفرادِ المجتمعِ ؛ ولِكَيْ ننالَ رِضا اللهِ ومحبَّتِهِ وتوفيقِهِ ؛ ونكسبَ الأجرَ والثَّوابَ الجزيلَ ، فالحسنةُ بعشرِ أمثالِها وزيادةٌ .
وقد تبيَّنَ لنا أنَّ الصدقةَ تكونُ في غيرِ المالِ ، وفي هذا فضلٌ مِنَ اللهِ على عبادِهِ في تنوّعِ الصدقاتِ ؛ ليستفيدَ منها جميعُ طبقاتِ المجتمعِ الإسلاميِّ ، فيكسبَ الكلُّ تجارةً رابحةً لن تبورَ .
فتلكَ الأعمالُ هِيَ مِنَ السُّنَنِ المستحبةِ ، وقد ترتفعُ إلى درجةِ الواجبِ في بعضِ الأحوالِ ، فمثلًا لو وجدتَ أخًا لكَ في الإسلامِ يكادُ أنْ يموتَ مِنَ العطشِ ، فإنَّهُ في هذا الموقفِ يجبٌ عليكَ أن تُسقيَهُ ؛ لتنقذَهُ من الهلاكِ ، ولكَ في فعلِكَ هذا الثوابُ العظيمُ .
فإذا عَمِلَ المسلمُ الخيرَ في كلِّ مكانٍ ؛ فهذا يدلُّ على قوَّتهِ ، فالمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وفي كُلٍّ خَيْرٍ ، فاحرِصْ أخي علَى ما يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ باللهِ وَلَا تَعجزْ .
فَمَنْ يعملْ الخيرَ حتمًا سيجدْ الرضى والقبولَ ، ومن ينلْ الرضى والقبولَ ؛ فإنَّه سيكونُ من أسعدِ البشرِ ، سيتذوقُ السعادةَ الحقيقيةَ الَّتي ليسَ لها مثيلٌ .
قالَ الحطيئةُ :
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعدَمْ جَوَازِيَهُ
لا يَذهَبُ العُرفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ
ومِنْ وُجْهَةِ نَظرِي أنَّ مَنْ قالَ : لا تصنعْ المعروفَ في غيرِ أهلِكَ فقدْ أخطأَ ! وأنَّ مَنْ قالَ : اصنعِ المعروفَ في أهلِكَ وفي غيرِ أهلِكَ فقدْ أصابَ ! لماذا ؟
بغضِّ النظرِ عنِ التَّجاربِ الَّتي حدثتْ وكانَ مردودَها الجحودَ والنُّكران ، أو كانَ الردُّ عكسيًا .
أنا أنظرُ في الجزاءِ والثِّمارِ التي ستجدُ جَدَاءَها وأثرَها في الدُّنيا وفي الآخرةِ ، في يومٍ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ ، في يومٍ تتمنَّى أن تعودَ إلى الدُّنيا فتعملَ الخيرَ الكثيرَ .
فصنائعُ المعروفِ تقِي مصارعَ السُّوءِ و الآفاتِ والهلكاتِ ، فما اصْطَنَعتَهُ من خَيرٍ وأسْدَيتَهُ لِغَيرِكَ ، سيدفعُ اللهُ بهِ عنكَ مَصارِعَ السُّوءِ أي : سيُجازيكَ اللهُ تَعالى على مَعروفِكَ ، ويُنجِّيكَ مِنَ السُّقوطِ في الهَلَكاتِ ومَواطِنِ الزَّلَلِ ، فعنْ أنسِ بن مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صنائعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السُّوءِ و الآفاتِ والهلكاتِ ، و أهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ ) حديث صحيح أخرجه الطبراني والحاكم في مستدركه
كُنْ مِنْ أهلِ المعروفِ في الدُّنيا ، فأهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ ، يجازيهِمُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى على كلِّ ما قدَّمُوهُ ابتغاءَ مرضاتهِ .
وفعلُ الخيرِ مِن أسبابِ وعلاماتِ النَّجاحِ والفلاحِ والتوفيقِ والسَّعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ ، قالَ اللهُ تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) سورة الحج
وقِيلَ : مَنْ يزرعِ الخيرَ يجنهِ ، ولو كانَ في غيرِ أهلهِ .
وقبلَ الختامِ ، لا تنسَ أيُّها المُقدَّمُ لك المعروفُ أنْ تُجازي أو تردَّ الجميلَ إلى مَنْ أسدى إليكَ ، ولا تكن لئيمًا ناكرًا جاحدًا ، فإنَّ مَنْ أحسنَ إليكَ مرةً ، فإنَّهُ يستحقُّ أن تردَّ إليهِ جميلَهُ عدةَ مراتٍ ، وكذلكَ لا تنسَ أنْ تقولَ لَهٌ على الأقلِّ : جزاكَ اللهُ خيرًا ، فعن أسامةَ بن زيدٍ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( مَنْ صُنِعَ إليهِ معروفٌ فقالَ لفاعلهِ : جزاكَ اللهُ خيرًا ، فقدْ أبلغَ في الثَّناءِ ) أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان
وفي الختامِ ، صلُّوا على نبيِّ الرحمةِ خيرِ الأنامِ ، صلاةً دائمةً في جميعِ الأيَّامِ ، واقتدوا بهِ تغنمُوا وتسعدُوا وتدخلٌوا الجنَّة بسلامٍ .
اللهمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَ المسألةِ ، وخيرَ الدعاءِ ، وخيرَ النَّجاحِ ، وخيرَ العملِ ، وخيرَ الثوابِ ، وخيرَ الحياةِ ، وخيرَ المماتِ ، وثبِّتْنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ ، وثقِّلْ موازينَنا ، وارفعْ درجاتَنا ، وتقبَّلْ عملَنا ودعاءَنا ، واهدنا لأحسنِ الأخلاقِ فإنَّه لا يهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ ، واصرفْ عنِّا سيِّئَها ، فإنُّه لا يصرفْ عنِّا سيِّئها إلَّا أنتَ ، سُبحانكَ ربُّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفُون ، وسلامٌ على المُرسَلِين ، وَالۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين .
* المراجع :
- موقع الدرر السنية للموسوعة الحديثية والفقهية لمجموعة من الباحثين .
- بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر القرطبي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.