كفى واعظا للمرء أيام دهره*** تروح له بالواعظات و تغتدي اخي العزيز .. الخير الذي تزرعه في طريق غيرك سيعود إليك ذات يوم مضاعفًا ليملأ حياتك بالخيرات. و المساعي الطيبة التي تقوم بها بنوايا بيضاء ستظلّك بردًا وسلامًا عندما تشتدّ لظى شمس الأيام. أعلم أن كل بذرة تلقيها في الدروب بصدقٍ وحُب ستجني ثمارها الطيّبة بين يديك وإن طال الزمن أو قصر . أخي القارئ.. أن الزمان لا يثبت على حال، فتارةً فقر وتارةً غنى، وتارةً عز وتارةً ذل، وتارةً يفرح الموالي وتارة يشمت الأعادي، والعاقل من لازم أصلاً على كل حال، وهو تقوى الله. يقول الشاعر.. (وما طردناك من بخل ولا قلل .. لكن خشينا عليك وقفة الخجل !!) و هذا البيت له قصة جميلة أيضاً يحكى أن كان هناك شاب ثري ثراءً عظيمًا كان والده يعمل بتجارة الذهب والياقوت . وكان الشاب يؤثر على نفسه أصدقاؤه أيما إيثار .. وهم أيضًا بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له . شاءت الأقدار أن يموت والد الشاب وتفتقر العائلة افتقارًا شديدًا. فبدأ الشاب يبحث عن أصدقاء الماضي - أيام رخائه - فعلم أن أعز صديق كان يكرمه ويؤثر عليه أكثرهم مودة وقربًا منه قد أثرى ثراءً لا يوصف ... وأصبح من أصحاب القصور والأملاك والأموال، فتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملًا أو سبيلًا لإصلاح حاله ... فلما وصل باب القصر استقبله الخدم والحشم، فذكر لهم صلته بصاحب الدار وما كان بينهما من مودة قديمة .. فذهب الخدم وأخبروا صديقه بذلك ، فنظر إليه من خلف ستارٍ ليراه، وقد بدا شخصا رث الثياب عليه آثار الفقر .. فلم يرض بلقائه، وأمر الخدم أن يخبروه بأن صاحب الدار لا يمكنه استقبال أحد . فذهب الرجل وهو في دهشة يا زمن لماذا تركت الوفاء يغرق بعيداً دون أن تنقذه من غدر الأيام؟ لماذا تركت الإخلاص يختفي عن الوجود دون أن تعطيه ولو فرصة واحدة للبقاء؟ وكان يفكر كيف القيم تذهب بصاحبها بعيدًا عن الوفاء وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت. وكيف للمروءة أن لا تجد سبيلها في نفوس البعض . وهو يسير صادف ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيء فقال لهم ما أمر القوم ؟ قالوا له : نبحث عن رجل اسمه فلان بن فلان وذكروا اسم والده فقال لهم : إنه أبي وقد توفي منذ زمن، فتأسفوا وذكروا أباه بكل خير وقالوا له : إن أباك كان يتاجر بالمجوهرات وله عندنا قطع نفيسة من المرجان كان قد تركها عندنا أمانة، *فأخرجوا كيسًا كبيرًا قد ملئ مرجانا ، فدفعوه له ورحلوا، والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع ... ولكن تساءل أين اليوم من يشتري المرجان .. فإن عملية بيعه تحتاج إلى أثرياء والناس في بلدته ليس فيهم من يملك شراء قطعة واحدة ... مضى في طريقه وبعد برهة من الوقت صادف امرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير فقالت له : يا بني أين أجد مجوهرات للبيع في بلدتكم ، فتسمّر الرجل في مكانه ليسألها عن أي نوع من المجوهرات تبحث فقالت: أريد أحجارًا جميلة الشكل ومهما كان ثمنها . فسألها إن كان يعجبها المرجان . فقالت: نعم المطلب، فأخرج بضع قطع من الكيس ، فاندهشت المرأة لما رأت. فابتاعت منه قطعًا، ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد .. وهكذا عادت الحال إلى يسر بعد عسر ، وعادت تجارته تنشط بشكل كبير .. فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما أدى حق الصداقة . فبعث له ببيتين من الشعر : صحبت قومًا لئامًا لا وفاء لهم يدعون بين الورى بالمكر والحيل كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى وحين أفلست عدوني من الجهل وجاء رد الصديق بقصيدة يقول فيها: أما الثلاثة قد وافوك من قبلي ولم تكن سببًا إلا من الحيل ... أما من ابتاعت المرجان والدتي وأنت أنت أخي بل منتهى أملي ... وما طردناك من بخل ومن قلل لكن خشينا عليك وقفة الخجل .. عزيزي القارئ عاشِرْ أُنَاساً بِالذَّكَاءِ تَمَيَّزُو، وَاخْتَرْ صَدِيقَكَ مِنْ ذَوِي الأَخْلاقِ.