في منعطفات الحياة وزواياها الحادة ,أقوى مدارس التعلم عبر مراحلها المختلفة وجائحة فيروس كورونا مرحلة حرجة من المراحل التي تمر بها البشرية, سيتوقف عنده تاريخ عالمنا كثيرا ,وستوثَق به أحداثاً سارةً وحزينةً ,ارتبطت بانتشاره والذعر من أخباره ورغم ظاهِرهِ المُحمَّل بكثيرٍ من المخاوف والآلام ,إلا أن في ثناياه دروساً وعبراً يجب ألّا تمر بنا دون أن نعتبر بها ونتعلم منها لنزداد قوة وصلابة, ودراية بكيفية مواجهة ظروف الحياة الطارئة وإدارة تقلباتها المفاجئة لقد علَّمنا كورونا أن نتوقف بعد كل خطوات متباعدة لنقيّم ونراجع ما أنجزناه ونسد الثغرات التي تجاوزتها خطواتنا المتسارعة. علّمنا أن الضرر والبلاء لا يقتصر على صاحبه بل تمتد أياديه لمن يحبهم ويشاركهم السكن والوطن أن تلك اللقاءات التي كنا نقضيها دون تخوف من الاقتراب أو المصافحة ,كانت لحظات تخفي حميميةً و ودًا لم نكن نستشعره رغم تقارب قلوبنا وأجسادنا , كنا أحيانا نرفضها ونتوهم أن فيروسات الكره والانتقام تختفي بين راحة أياديها فننعزل عمَن يحملون لنا مشاعرهم ويأملون أن تصلنا عبر تقاسيم وجوههم وحرارة لقائهم ولطف عباراتهم وعلَّمنا أننا كنا نخلق وباء داخل عقولنا ,حجب عنا الاستمتاع بحياتنا بصورتها الطبيعية النقية ,وأخفى عنا كل مظاهرها المترفة وشوه رونقها وعلَّمنا أن نكون أكثر دقةً وحرصاً في تصرفاتنا وتعاملاتنا فما كانت أنظارنا لا تلتفت إليه ولا نلقي له بالا ,أصبحنا نرقبه لحظة بلحظة نتفحص نظافته و نمعِن النظر في سلامته. علَّمنا أننا نملك مميزات داخل بيوتنا كنا لا نعتبرها رقما في قائمة حياتنا المبهجة ,حتى اقتربنا منها كثيرا و خصصنا لها وقتا أطول, فانكشفت أمام أعيننا وأدركتها مشاعرنا,واستمتعنا باجتماع الأسرة وسماع نقاشاتهم واستعراض مواهبهم ,وتغاضينا عن أخطائهم وهم يكررون المحاولات , وجلسنا نتشارك اللعب ونشاهد تعابير الفوز وتقبل الخسارةوعلَّمنا أن نضع حاجزا بيننا وبين من يحاول أن يمسنا بسوء أو ينقل إلينا عدوى أفكاره ومعتقداته الزائفة وعلَّمنا أن ننقي صدورنا من الغل ونطهرها من الحسد والبغض لننعم براحة وقوة وسعادة ونجعل كل مساحته ممتلئة بالحب والفرح علَّمنا أن نقوي مناعتنا الفكرية لتكون حصنا منيعا يقينا شر المتربصين بعقولنا والعابثين بأفكارنا وعلَّمنا أن نتقابل مع أنفسنا ونختلي بأرواحنا لنراجع مسارنا و نصحح أخطاءنا ونبني مستقبلنا وعلَّمنا أن عدونا ليس دائما ظاهرا, فهناك صنف يعمل في الخفاء وقد يكون أحيانا أشد ضراوة ممن يظهرون لنا بأجسادهم ويخفون داخلهم المكر والخديعة ،لم ينته هذا الوباء و مازالت البشرية والعلم متحدَين يقاومونه بكل إصرارٍ وتحدٍ ليبتكروا له الدواء ويستخلصوا منه العبر ,وسيزول بإذن الله ويخلف لنا فقط آثارا إيجابية تضاف إلى سجلات تجاربنا وخبراتنا الإنسانية .