ارتبط اسم جازان منذ الازل بالنماء والخضرة والحياة والفنون لكن قافلة الزمن مرت فأخذت معها كل تلك الدلالات فأصاب جازان الحزن وراحت لتختبئ داخل عشتها التي خصفتها على نفسها من بقايا جنة كانت تموج خضرتها موجان الضوء المنسكب من ألق الشمس . وفي ظاهرة غريبة على صفحات تاريخ جازان الثر راح اسمها يعاقر ارتباطاً مشئوماً بالمرض والتخلف حتى كاد هذا الارتباط الممجوج ينسي أجيالاً كاملة بماهية جازان نسباً وصهراً ودمًا نقياً وفي المقابل ومن شدة أساها لم تفارق جازان عشتها التي نسجتها كالشرنقة حول نفسها لتدافع عن ذاتها وكأنها من هول الصدمة وفداحة المصاب آثرت الصمت المر على الكلام الذي قد لا يصدق فالقوي من قال : ها أنذا ليس من قال : كان أبي في عرف العربي الأصيل. ظلت ردحاً كاملا تصارع الموت وتعاقر الأسى وكأنها الخنساء في حزنها على أخيها إلى أن أذن لها المولى بطبيب مشهود الطب شخص دائها في زيارة واحدة وحدد دوائها بعناية فائقة ذلك الطبيب الحاذق ما هو الا خادم الحرمين الشريفين في زيارته التاريخية يوم هفا لها من ( نيس ) وهي في الرمق الأخير فجس مرضها ووصف الدواء ولم يكن الدواء شربات أو عقاقير أو نفثات قارئ بل كان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز . حضر هذا الرجل وبكل جراءة حدد الطريق الموصل إلى داخل الشرنقة ثم اقتحم دهاليز قلب كاد أن ينسى الحياة وأشعل داخل تلك العشة المظلمة فانوس الضوء وترك همسات النور عنوة تتسلل إلى أهداب عافت الضوء ثم أمسك بيد جازان المريضة وهمس في إذنها بكل حنان افتحي عينيك لترى النور الذي يداعب قسمات الخضرة في جبينك الطاهر من جديد ,سرت في داخلها رعشة الأمل وطاف بها طائف الحياة وأحست بالحرارة والصدق من يد أمير مغامر لا يعرف التسويف ولا المخاتلة وانما يعرف فقط طعم الانتصار تجري في عروقها ففتحت عينيها وانتصبت واقفة كعادتها منذ الأزل ثم خرجت معه مجللةً خضرةً وكبريائاً وعادت من جديد لتقول للجميع ها أنذا . جازان سلة حياة جزيرة العرب جازان الجديدة لم تهدم عشتها وتنسى ماضيها وسط تألق حاضرها لكنها وثقت في أميرها فراحت تناجيه تناجي العاشقين وتضاحكه تضاحك المتحابين وتبادله ويبادلها حكايات مجد مؤثل على ركائزه يتكئ المستقبل المشرق. كل تلك المقدمة جاست في داخلي و أنا أرى جحافل السيل تروي أرضاً خبت خضرتها مذ أربعين سنةً ,جحافل سيل لم تأتي من قلب الوادي كما جرت العادة بل من قلب أمير النماء والخضرة محمد بن ناصر بن عبد العزيز تأكدت من تلك الحقيقة بعد أن شاهدت تقرير جازان نيوز المعنون (أمير منطقة جازان يوجه الجهات المعنية بضرورة فتح سد جازان وري الأراضي الزراعية بمحافظة أبو عريش) وقتها قلت هذا الرجل لا يعرف التسويف ولا التلكؤ المتمترس خلف برتوكولات أنظمة جامدة هذا الرجل ينطلق انطلاقة الفرسان لأنه يحب أن يحتفل كما يحتفل الفاتحين هذا الرجل على ما يبدو أنه لم يسكن جازان بل هي التي سكنته حتى أنه أحس بأنفاس رمالها العطشى فراح يهبها من قلبه الوارف الحياة . واذكر حينها أنني هاتفت أحد أصدقائي لأشاطره فرحتي وقلت له هذا هو الدرس الأول الذي هضمه سيدي الأمير محمد بن ناصر في مدرسة ملك القلوب والد الجميع الملك عبدالله بن عبدالعزيز درس مفاده وروحه وقاعدته مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ومسابقة الزمن رأس الإنجاز وجودة المخرج وفائدته للوطن هدف القائد الفذ . حفظ الدرس جيداً وأدرك أن الصدق وصفاء النية دليلان لبلوغ الأهداف العظيمة فرمى بكل ترهات الورق وأحبار المنظرين خلف ظهرة وانبرى يصنع ويشيد ويسقي ويزرع على أرض الواقع . أبا تركي لن أمدحك بكلماتي بل سأترك الكلام للفيافي القاحلة التي اجريت في مآقيها الحياة تلك الفيافي على ضفاف وادي جازان والتي منعت من مراقصة الحياة دهراً فقلبت لنا ظهر المجن وبدلاً من أن تمدنا بالنماء ساقت لنا المرض غضبةً على أنظمة قتلت في رحمها الطاهر الحياة تلك الفيافي عادت للحياة وباتت تحتفل قيعانها وروانها ورداحها على ايقاع الزيفة والقطرة يراقصها تصفيق السيل المنسل هياما بالتلاقي الذي طال انتظاره وكاد يموت الأمل بالتلاقي لكن كف أبا تركي وحده الذي حمل الفأس الذي أهدته جازان من عشتها بقايا إرث قديم ليضرب به عقماً تحجر قلبه وجمدت عيناه كيما يحرر الحياة المسجونة في قلب الحياة . سيدي هنيئاً لك هذه الأرض فقد أحييتها ومن أحيا أرضاً مواتا فهي له وليس الأرض ياسيدي بل حتى القلوب . وغداً أحبتي القراء الكرام سنقرأ درساً آخر من الدروس التي حفظها محمد بن ناصر في مدرسة عبدالله بن عبدالعزيز لكننا لن نقرأه على الورق بل على صفحات أرض جازان الخصبة كالعادة وغداً كذلك سنتسامر على أنغام زامر يهزه الوالش فرحاً بإنجاز جديد يختزل بجازان مسافات الزمن نحو الرقي والخضرة والنماء وغداً كذلك سيحمل الفارس محمد بن ناصر على فرسه الجامح المتوثب جازان ليطوف بها أوديتها التي عادت تتقافز أمواجها على إيقاع العرضة والعزاوي لتهب للحياة حياة وللفن فن وغداً كذلك سيقطف أبناء جازان زهور الحب من قلوبهم الشفافة البيضاء ليطوقوا بها عنق أميراً لايعرف التسويف ولايعرف القهقري ولا يعرف الكسل. أيها (المُتعَب المُتعِب) لقد وهبت جازان الحياة فهنيئاً لك الحياة وليت كل المتسنمين مراتب الإدارات في المنطقة يفهمون الدرس الذي فهمته . [email protected]