كنزٌ مدفون وسحرٌ مكنون , صاغه ورسم لوحته الأجداد ليقدموه إلى الأحفاد, و لتتوارث الأجيال جيلاً عقب جيل "مزهرية " تفوح بعبق الماضي وأريج الأصالة. إنه هدية الأجداد إلى الأحفاد , وحلقة تواصلٍ بين الآباء والأبناء , هو أساس الحاضر , ورونقه الذي يزيد بريقه . ذلك هو " التراث الفكري والثقافي والعمراني " . يعده البعض بمثابة الكحل للعين , يزيدها حسناً ويضفي عليها جمالاً , وبالغ آخرون فجعلوه بمثابة النور للعين يستحيل أن تبصر أو تدل طريقاً سُوى دونه . نحن في " بني مالك " ماذا أعددناه؟ وفي أي منزلة جعلناه ؟ على الرغم مما يزخر به تراثنا من صور آسرة للقلب وساحرة للُّب إلا أنني أجزم بأن الصورة العامة لواقعه ومصيره هي الترنح بين الإهمال والتأرجح في غياهب الاندثار . تلك العقود من الجبال المزدانة بجواهر الطراز المعماري المالكي , أليست بحق بهجةً للعين ! كما هو حال زيِّ مشيديها وحُليهم . قرى وقلاع ظلت شامخة عقوداً من الزمان وحقباً من التاريخ ولا زالت - في مجملها - كذلك أمام جيلنا القابع في عصر التقدم والنهضة - مع النسيان - . وحتى تُضيف إلى بهجة العين طرب السمع , فتراثنا زاخر بأعذب الألحان وأشكال الفنون . إن قيامك بجولة استكشافية عجلة بين أحضان جبالنا كفيلة بأن تجعلك أمام تراث يزخم بالكثير من المعطيات , في الوقت نفسه هي كفيلةٌ.. كفيلةٌ.. بأن تجعلك أمام شواهد عدة تبرز بدايات الاندثار والتهالك لذلك الإرث . وهت عزماتك عند المشيب ***وما كان من حقها أن تهي قرى آيلة للسقوط , وأسقفٌ هوت كحال جيلنا معها , تصدعاتٌ أخفت معالم الجمال لأسلوب البناء المالكي القديم , قلاعٌ يُحكى أنها كانت قلاع , وفي جنبات كلٍ منها نقوش وأدواتٌ جديرة بالبحث والاعتناء . أدوات الزراعة والحفظ والطهي... لم يبق منها إلا اسمها , وما كان باقٍ فعلى قارعة طريق الفناء. ألعابٌ شعبية تعزف أعذب الألحان وتشدو بدرر الأنغام أصبحت محصورةً على فئات جُلها من الكبار . هذا ما نحن عليه الآن . والسؤال : ماذا سيدرك أحفادنا من هذا التراث ؟ نعم .. هو ثُراثٌ آيلٌ إلى السقوط ما لم يكن هنالك لفتاتٌ ومبادراتٌ تصونه وتحافظ عليه . إن للمثقفين ورجال الأعمال دورٌ كبيرٌ مناط على صدورهم ومركون في أعناقهم في سبيل الحفاظ على هذا الإرث . لا سيما وأن الفئة الأولى منشغلة بتحقيق الذات واستعراض المواقع والمنتديات وإن كانت قد نجحت في مجملها نجاحاً تعددياً على وجه الخصوص. في حين انشغلت الفئة الثانية بزيادة غلتها من مساحات الأراضي ومراكمة رأس المال . وذلك حق مكفول للفئتين ولكن النقد هنا لفقدان الاشتراك في الهم الذي لربما يولد ثماراً عامة النفع على أرض الواقع . صيانة تراثنا من الإهمال وحفظه من الاندثار لن يتأتَّى إلا بالتفاتة صادقة من مثقفينا ورجال أعمالنا , التفاتة تدق أجراسها عند سعادة المحافظ .. عند إمارة المنطقة .. عند الهيئة العامة للسياحة والآثار الشابة الطموحة في ظل رئيسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز . إننا ومن خلال القنوات المتاحة - آنفة الذكر- لقادرون على حفظ هذا الإرث من الفناء , قادرون وبصور شتى متى ما كانت هنالك مبادراتٌ حقيقية ووقفاتٌ صادقة . كما أنه بمقدور الأسر وشيوخ القبائل من خلال صناديقها الإسهام في حفظ هذا الإرث ولو بمبادرات يسيرة تجدد بناءً تحفظه وتصونه من قسوة الزمان وعبث المجهول . لعل بني مالك تحظى ب ( متحف ) أوقرية تراثية ( حقيقية ) , أو تجديد لقرية قديمة أوقلعةٍ عظيمة , لتبقى معلماً تراثياً وإرثاً يحفظ لنا هويتنا ويعبر عن أصالتنا . إنها بذرة أصنعها في هذا المقال وكلي رجاء أن تلقى من يغرسها ويسقيها , لتؤتي ثمارَها إلى أجيال قادمة وبلاد عامرة يستحقان منا البذل والعطاء . دمتم بإيمان وأمان . بقلم الأستاذ : محمد بن قاسم المالكي .