يبدو أن السجال الذي حدث بعد فتوى الشيخ عادل الكلباني بجواز الغناء لن ينتهي قريبا . حيث بدأت اول ردود الفعل بقصيدة نظمها الشيخ سعود الشريم - امام الحرم المكي - تلاها رداً من الشيخ الشيخ صالح اللحيدان - رئيس المجلس الاعلى للقضاء السابق وعضو هيئة كبار العلماء - والذي قال ان على الشيخ الكلباني ان يبقى في مسجده يؤم المصلين ويقرأ القرآن، ولا دخل له في مسائل الفتوى . وهو ما اعتبره الشيخ الكلباني انتقاصاً من مكانة الإمامة حيث نشر مقالاً في موقعه بعنوان " عذرا سماحة شيخنا " طالب فيه الشيخ اللحيدان أن يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان إماما . وكان الشيخ الكلباني قد ذكر في رده على سؤال أحد الصحفيين عن توقعه لردود الفعل الإسلامية بعد إباحته لكل ضروب الغناء وزعمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعمر سمعاه، أجاب: «ليس ثمة ما أخسره، فقد كُفِّرتُ، ونُصِحْتُ بالذهاب إلى سوق الخضار، وغيرها من التهم، ولذلك فأنا أقول ما أدين الله به، ولا أبالي». نص مقال الشيخ عادل الكلباني : عذرا سماحة شيخنا !!! الحمد لله حق حمده ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعبده ،،، وبعد ،،، فقد قرأت كلاما نسب إلى سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان ، عضو هيئة كبار العلماء ، حفظه الله ووفقه ، معترضا فيه على ما قلته من رأي في مسألة الغناء . وإني أشهد اله تعالى على حبي للشيخ من قبل ومن بعد ، وأن ما قاله في شخصي لا يزيده في عيني إلا رفعة ، ولا في قلبي إلا محبة ، ولا في لساني إلا دعاء وثناء . وإني وإن أحببت شيخي فإن لي عليه حق العتاب ، وليس عتابي له فيما قاله فيَّ شخصيا ، ولكني أعتب عليه فيما قاله بشأن الإمامة والقراءة ، فما هكذا علمنا هو وإخوانه من علمائنا أن نحترم القرآن ولا أن نحترم الأئمة !!! وليس في الرد على مخطىء حتى مع ظهور خطئه ووضوحه الحط من قدر كتاب الله تعالى ، ولا الحط من قدر حملته ، الذين نص حبيبنا صلى الله عليه وسلم على خيريتهم ، وفضلهم ، "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ، إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه . هكذا جاء في الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه . ولا يخفى على سماحته فضل الإمامة ، ومكانتها في الدين ، بل هي التي كانت أقوى الإشارات لإمامة الصديق رضي الله عنه ، كما فهم الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ، حيث كان تقديم الصديق للصلاة إماما بالصحابة دليلا قويا على اختياره لإمامتهم في دنياهم ! ولا يخفى على سماحته أيضا أن مما فضل به النبي صلى الله عليه وسلم إمامته للأنبياء جميعا في قصة ألإسراء ، عليهم صلوات الله وسلامه ! فنصيحته لي بأن أبقى في مسجدي أصلي بالناس وأقرأ القرآن جميلة جدا ، لو لم أفهم منها التنقص من الإمامة والقراءة ، فإن كان ما فهمت حقا فإني أعيذ الشيخ منها فرب كلمة هوى بها المرء في جهنم ، قالها ولم يلق لها بالا ، كما جاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفع الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وعند مسلم عنه رضي الله عنه : إن العبد ليتكلم بالكلمة ، ما يتبين ما فيها ، يهوي بها في النار ، أبعد ما بين المشرق والمغرب . كما إني أذكر سماحته ، بأنه وإن كان قال ما قال غيرة وحمية فإنه لا ينبغي أن تجره الغيرة إلى ما لا تحمد عقباه ، فعند أبي داود { وأصله في صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه بلفظ "فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك" } من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[1] ، وسكت عنه ، وقد قال : ما سكت عنه فهو صالح ، وللحديث طرق وروايات صححها أحمد شاكر ، وحسن بعضها ابن حجر رحم الله الجميع : كان رجلان في بني إسرائيل متؤاخيين ، فكان أحدهما يذنب ، والآخر مجتهد في العبادة ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول : أقصر . فوجده يوما على ذنب فقال له : أقصر . فقال : خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله ! لا يغفر الله لك – أو لا يدخلك الله الجنة ! – فقبض أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : كنت بي عالما ، أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار . فلا لأظنه يغيب عن فهم سماحته ، أن الرجل المذنب قد استفاد من غيرة المجتهد فنجى من النار مع عدم توبته ، وإنما أنقذه منها غيرة صاحبه حين تجاوزت الحد الشرعي . ويثبت هذا ويؤصله ما رواه البخاري من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "تعجبون من غيرة سعد ، والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني" ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة . وبناء عليه فإني أرجو من سماحته أن يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان إماما ، ولكل إمام من بعده ابتداء من الخلفاء الراشدين ، وأئمة المسلمين ، كما أرجوه أن يعتذر لخيار الأمة الذين اختصهم الله بأنهم أهله وخاصته ، وأعطاهم من الفضل ما لم يعط أحدا من العالمين : يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها . رواه أبو داود ، وصححه أحمد شاكر والألباني . وقال جل وعلا في كتابه الكريم : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ، فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، ذلك هو الفضل الكبير ، جنات عدن يدخلونها ، يحلون فيها من أساور من ذهب ولولؤا ولباسهم فيها حرير} . فيا سماحة الشيخ ، لا تثريب عليك فيما قلت فيً ، غفر الله لك ، ورفع منزلتك ، وأعلى قدرك ، وجعلك من أهل الفردوس ووالديك ، ومشايخك ، وذريتك . وأنبه في آخر مقالي هذا أني وإن خالفت علماءنا وفقهم الله في هذا الرأي ، فإني لم أخالف منهجهم ، فقد علموني أن أرمي بكل قول خالف قول الله تعالى أو قول نبيه صلى الله عليه وسلم عرض الحائط ، وعلموني أن أعرض الأقوال على الكتاب والسنة فما وافقهما أو أحدهما أخذت به ، وما خالفهما أو أحدهما , تركته مع حفظ ومعرفة منزلة مشايخنا وعلمائنا !