منذ اعتزال أسطورة حراسة المرمى في السعودية الحارس الدولي محمد الدعيع قبل نحو ثمانية أعوام، بعد مسيرة ذهبية مع الهلال والمنتخب الأول، لم تبرز موهبة ثابتة في هذا المركز الحيوي في الأندية، وصولاً للمنتخب الوطني، الذي لم يعرف الاستقرار على حارس واحد بعد أن علق الدعيع قفازه الذهبي في صيف 2010م، وسط حالة من التراجع الكبير لمستوى حراس المرمى في الأندية السعودية، حتى أمسى قرار التعاقد مع النجم الألماني العالمي أوليفر هذا الموسم لتطوير حراس المرمى الوطنيين، فضلاً عن إنشاء أكاديمية باسمه في البلاد، بمثابة طوق نجاة لمركز الحراسة في الملاعب السعودية واعترافاً صريحاً بحجم المعضلة الحقيقي. ظلت المقولة الكروية الشهيرة "الحارس المميز يمثل نصف الفريق" عبر كل العصور شاهدة على أهمية هذا المركز في قائمة أي فريق، بل ذهب الكثير من النقاد إلى وصف الحارس الموهوب بكل الفريق وليس نصفه فقط، لتأثيره الكبير في نتائج أي فريق مهما كان حجمه، كمصدر للثقة لبقية زملائه في المباريات، وكقائد ملهم وموجه خصوصاً خلف خط الدفاع، كركيزة مهمة وورقة رابحة لأي جهاز فني، ولعل تعاقب أكثر من ثمانية حراس على مرمى المنتخب السعودي من بينهم ثلاثة حراس في التصفيات الأخيرة المؤهلة لمونديال كأس العالم 2018 في روسيا، دون استقرار بين استدعاء وابتعاد، يكشف جلياً حجم المعاناة والتوجس من حالة الاهتزاز الكبير في هذا المركز المؤثر، ومع ظهور موهبة الحارس الدولي محمد العويس في فريقه السابق الشباب قبل مواسم، ثم تداعيات انتقاله إلى الأهلي، تشير كثيراً إلى نضوب المواهب الشابة في هذا المركز، وندرتها خصوصاً مع تراجع أداء الحراس الأبرز في الأندية، وتذبذب مستوياتهم وأفول موهبة البعض منهم كحارس النصر عبدالله العنزي وحارس الهلال السابق خالد شراحيلي، فيما ظل الأهلي متمسكاً بحارسه ياسر المسيليم إلى جانب محمد العويس دون ظهور موهبة تنافسهما على هذا المركز، وحتى في الاتحاد ظل الحارس فواز القرني ثابتاً في تشكيلة الفريق إلى جانب زميله المنتقل من الوحدة قبل أعوام المخضرم عساف القرني، وعاد الهلال إلى حارسه السابق عبدالله المعيوف بعد مواسم طويلة مع الأهلي دون القدرة على إبراز حارس واحد في غيابه، وفِي النصر لا يبدو الحارس الدولي وليد عبدالله مقنعاً بدرجة عالية، والأمثلة تتعدد في كل الأندية، بلا تطور ملحوظ أو ظهور موهبة لافتة في هذا المركز، بعد أن شاركت إدارات الأندية وأجهزتها الفنية في هذه المعضلة منذ مواسم طويلة، بنزع الثقة من الحراس القادمين من الفئات السنية، الذين يواجهون مصير الإعارة أو التنسيق في نهاية كل موسم وتضييق مساحة الفرص أمامهم. التهافت على استقطاب الحراس الأجانب هذا الموسم، وتوجه الأندية للاستمرار في هذه الخطوة في الموسم المقبل، بعد قرار اتحاد الكرة بالسماح للأندية بالتعاقد مع الحراس الأجانب، يؤكد انحدار مستويات الثقة في منح الحراس السعوديين إلى درجات دنيا، ما يهدد بتضخم هذه المعضلة وحجب أي فرصة تلوح أمام حراس محليين جدد، ولذا كان إعلان الهيئة العامة للرياضة، ودعماً لاتحاد الكرة بتأسيس أكاديمية متخصصة في مركز "حراسة المرمى" وتوقيع عقد مع الحارس الألماني العالمي أوليفر كان، يتولى بموجبه الإشراف والإدارة لهذه الأكاديمية التي حملت مسمى "أكاديمية أوليفر كان الدولية"، خطوة تاريخية جاءت في وقتها المناسب حتى لو تأخرت، كرغبة رسمية في تطوير قدرات حراس كرة القدم السعودية في المنتخب الأول، وأندية الدوري السعودي للمحترفين، لإبراز الموهوبين من مواليد المملكة ممن وقع عليهم اختيار لجنة استقطاب المواليد في هذا المركز، إضافة إلى تخصيص جائزة سنوية لأفضل حارس في الدوري السعودي بمسمى "جائزة أوليفر كان" ومع مرور نحو خمسة أشهر على انطلاق العمل بهذه الاتفاقية يراود المهتمين الأمل الكبيرفي نجاحها، وتوفير حلول مقنعة تنعش مركز حراسة المرمى في الأندية، وتلقي برؤيتها الفنية الضوء على استقرار وتطوير أداء مستويات حراس المرمى في المنتخب الأول، قبيل انطلاقة المونديال المقبل ومايعقبه من استحقاقات دولية.