عودة العلاقات مع أمريكا إلى جذورها (1/ 3) الاربعاء 22 مارس 2017 * خالد بن حمد المالك أرشيف الكاتب شهدت العلاقات السعودية – الأمريكية فتورًا خلال الولاية الثانية من حكم الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وشكلت التطورات المتسارعة شرخًا لم تعهده هذه العلاقة التاريخية منذ أن رسم معالم الطريق الصحيح لها الأب المؤسس عبدالعزيز والرئيس الأمريكي التاريخي الأسبق فرانكلين روزفلت خلال اجتماعهما غير العادي الذي عقد على ظهر بارجة أمريكية في البحيرات المرة بقناة السويس، ويومها تركز الحديث بينهما في البحث عن أوجه التشابه لا الاختلاف، وعلى ما يجمع لا على ما يفرق، كما يروي ذلك المفوض الأمريكي في جدة السيد وليام إيدي في كتاب له بعنوان: (فرانكلين روزفلت يجتمع بابن سعود) حيث كان إيدي حاضراً وشاهداً في هذا اللقاء. * * كانت مكانة المملكة ومؤسسها لدى أمريكا ورئيسها التاريخي مكانة عالية ومقدرة، وكان اللقاء قد تم بطلب من الرئيس روزفلت نفسه، وبالقرب من نيران الحرب العالمية الثانية التي وصلت إلى القاهرةوالسويس اللتين لم تسلما من قصف الطائرات الألمانية، وعقدت المباحثات السعودية – الأمريكية على أصوات هدير الطائرات، ومما يلفت النظر، وفقًا لرواية إيدي، إن احترام الرئيس الأمريكي روزفلت للملك عبدالعزيز وصل إلى درجة تأخره في الوصول إلى جناحه الخاص لتناول طعام الغداء مع الملك، فيما كان الملك عبدالعزيز بانتظاره، وسبب تأخره أن الرئيس أراد أن يدخن سيجارتين بعيدًا عن الملك، وذلك احترامًا وتقديرًا منه للملك، وكل هذا حدث والمملكة لم تكن يومها دولة نفطية كما هي الآن. * * لماذا نستعيد لقاءً عمره أكثر من سبعين عامًا، وما علاقته بزيارة الأمير الشاب محمد بن سلمان الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية، وما الذي يعنيه توظيف هذا الحدث التاريخي المهم في مقالي للحديث عن لقاء ترامب ومحمد بن سلمان، وكيف يمكن لنا أن نتصور أن علاقات كهذه يمكن أن تذوب أو تتأثر سلبًا في غمضة عين، بينما عبدالعزيز وروزفلت رسما معالمها، وخطّا الطريق الصحيح لها، وصمدت كل هذه السنين الطويلة رغم تغيّر الملوك والرؤساء في كلا البلدين، وعلى الرغم من التحديات والمستجدات التي مرت بالدولتين، وهي كثيرة، وبالغة التعقيد!. * * أقول لكم، إن ما واجهته هذه العلاقة في الفترة الثانية من رئاسة الرئيس الأمريكي السابق من فتور، هي ذاتها تلك التي واجهته العلاقة الثنائية في فترة الرئيس الأمريكي الأسبق بوش دبليو بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في الأولى أسرع الملك عبدالله للقاء الرئيس، وشرح له الموقف السعودي، وتفهم بوش في يوم واحد وجهة النظر السعودية ومصداقيتها، وأزيلت من الطريق كل المعوقات، وأذكر أن الملك عبدالله قال لنا بعد يوم ماراثوني طويل من النقاش والحوار: إن مباحثاته مع الرئيس حققت أكثر مما جئنا به في ملفاتنا، وطلب من الأمير سعود أن يشرح لنا وبالتفاصيل كل ما تم بحثه والاتفاق عليه، وهو ما حدث. * * في الثانية جاءت مجموعة مواقف وقرارات أوباماية غريبة ومثيرة للانتباه، فمن الموقف الأمريكي الصادم في الأزمة السورية، إلى الموقف المتفرج على ما يجري في اليمن، ودون اعتراض على التدخل الإيراني في الدولتين، ومن التفهم الأمريكي لتدخل حزب الله وإيران في الوضع السوري، إلى سيطرة طهران على القرار في العراق، ثم أخيرًا لا آخر، الاتفاق مع إيران على موضوع المفاعل النووي، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، ودعوتها إلى الاندماج مع دول العالم، دون أن تقدم إيران أي تنازلات، وكلها عوامل مضرة بأمن واستقرار المنطقة، ومنشطة لحالة الإرهاب التي تعاني منها دول المنطقة. * * لهذا أسرع سمو ولي ولي العهد بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، كما فعل من قبله الملك عبدالله، وتوجه إلى واشنطن للقاء الرئيس ترامب الذي أظهر في تصريحات مبكرة خلال الانتخابات وكذلك بعد دخوله البيت الأبيض عدم رضاه على السياسة الإيرانية، وما تلحقه من ضرر على الأمن في المنطقة بتدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول، وبخاصة دول الخليج، التقى أميرنا الشاب الرئيس، واستعرضا العلاقات الثنائية، وما أصابها من فتور، وكيف يمكن أن يعودا بها إلى الجذور، إلى ما تم الاتفاق عليه بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، أو هكذا أتصور، ولهذا جاء الربط فيما بين زيارة الأمير الشاب ولقائه بالرئيس ترامب واللقاء التاريخي بين عبدالعزيز وروزفلت، لأن اختصار الحلول لأي تباين في وجهات النظر، أو سوء فهم في موقف أو أكثر، يأتي الحل من العمق التاريخي في العلاقات الثنائية، ومن الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات، وهذا ما تحرص عليه المملكة، وكان السلاح القوي والمؤثر الذي استخدمه محمد بن سلمان ونجح فيه بامتياز. – يتبع –