لا تستغرب عندما تدلف إلى أحد المقاهي "كوفي شوب" بمدينة الخبر فتجد أن من يقدم الخدمة هم طلبة سعوديون لم تتجاوز أعمارهم العقد الثاني..شباب قادوا التغير وسلاحهم التحدي لإثبات بأن السعوديين لا يحلمون فقط ب"الكراسي الدوارة" وإنما يحلمون ببناء مستقبلهم..شباب تعاظمت لديهم ثقافة العمل من أجل اكتساب الخبرات وطرق التعامل مع ثقافات مختلفة من دول العالم، من خلال الالتقاء بهم في مقهى يحوي العديد من أنواع القهوة الأمريكية والتركية والايطالية من (الإسبرسو وكابتشينو). بدأ "جيل الألفية" من الشباب بالتغير وتطوير أنفسهم والبعد عن كل ما هو رتيب وبطيء والذي لا يفي بمتطلباتهم ولا يحاكي فكرهم؛ أزاحوا "ثقافة العيب" الموروثة من بعض الآباء والأجداد في بعض المهن التي لم يعتد آباؤهم وأجدادهم العمل بها، وأشاروا للجميع بأننا هنا ولن ننظر للعادات والتقاليد السابقة أو الموروث الثقافي والاجتماعي. مديرون يشيدون بالتجربة وعبرعدد من مديري المقاهي "كوفي شوب" ومحلات الملابس الرجالية بأن الشباب السعودي يهوى التحدي، وظهر ذلك جلياً بوجود عدد كبير من طلبة المرحلة الجامعية من أطباء ومهندسين يقدمون ثقافة جديدة عن طريق العمل الجاد وعدم الركون إلى التكاسل. جاء ذلك على لسان راضي النهدي صاحب أحد محلات الملبوسات الرجالية بالخبر وعضو لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية بالشرقية، مشيراً إلى أن هؤلاء الشباب يطمحون في تولي مناصب قيادية عليا في أعمالهم من خلال زيادة محصلة خبراتهم من خلال العمل الجزئي. الراتب ليس الهدف ويقول "عبد العزيز العضاض" أنا لا أشعر بأي خجل من عملي، بل فخور لكوني أعمل في وظيفة محترمة، وأنتمي إلى مقهى يعاملني باحترام ويعطيني حقوقي كاملة على الدوام الجزئي الذي أقوم به. و"عبد العزيز" هو واحد من مجموعة من الشبان السعوديين اختاروا العمل الجزئي بجانب دراسته بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن تخصص تسويق في مقهى تملكه "رنين بخاري" طالبة جامعية تخصص إدارة ونظم معلومات. "رائف بخاري" 17 سنة، يعمل في نفس المقهى الذي تديره شقيقته، وهو طالب في المرحلة الثانوية، ويقول: أنا أريد أن أبني لنفسي مستقبلاً جيداً، وعلمت أن هذا المقهى فيه فرص شاغرة فاستغللتها، إضافة لتعرفي على كيفية العمل خارج السعودية وفي أي مقهى، ويطمح "رائف" بأن يكمل دراسته الجامعية في أمريكا. ويشير "ريان الرشيد" طالب بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلى أن خططه أن يدخر جزءاً من راتبه للالتحاق بدورة مكثفة في اللغة الإنجليزية؛ ومن ثم دورة مماثلة في استخدام الكومبيوتر، وينوي بعد ذلك التقدم لدراسة الماجستير، والمبلغ الذي يتقاضاه من المقهى يصرفه على مبالغ المراسلات مع الجامعات خارج المملكة. إلا أن "ريان الرشيد" وضع لنفسه خطة بديلة؛ فهو يرى أنه باستطاعته النمو في هذا المقهى، وأن يصبح مسؤولاً عن أحد الفروع في السنوات المقبلة في حال لم يتحقق حلمه في السفر لتكملة الماجستير لسبب أو لآخر. لكن "سلطان المغربي" طالب جامعي سرعان ما ألمح لنا أنه يطمح بالالتحاق بالدورات التعليمية في الكمبيوتر واللغة الانجليزية وتحتاج هذه الدورات مبالغ إضافية، فهو يعتبر الحصول على ترقية مربوط بالتطوير الذاتي لذا قرر أن يعمل ويكسب خبرة وبمقابل مادي بحدود الثلاث ساعات يومياً. العمل أفضل من الجلوس وتقول صاحبة المقهى "رنين بخاري" إنها وزوجها جاءا بفكرة المقهى وتشاركا فيه وتقوم هي بالإشراف عليه في جزء خاص بالقسم النسائي، مشيرة إلى أنه لا بد أن يبدأ الشاب الطموح من الصفر كي يصل مستقبلاً إلى المرتبة التي يتمناها. وعن عمل الشباب لديهم تقول "رنين" إن عمل الشاب في المقهى أفضل من جلوسه فيه على مدار اليوم وهو عاطل عن العمل، مضيفة أن المجتمع ليس بحاجة إلى المزيد ممّا وصفته ب"مدراء الكراسي الدوّارة"، وإنما بحاجة إلى شباب يعملون بأيديهم ويصنعون فرقاًً وأنّه لا يمكن وجود مجتمع مُكوّن من المديرين فقط!، وهو ما عبر عنه زبائن المحل من "الخواجات" المنبهرين من تخلي السعوديين عن فكرة "الكراسي الدوارة" والبحث عن الوظيفة في أي مكان. ثقافة العمل الشريف ويعود "عبد العزيز العضاض" ليوضّح نقطة أخرى وهي أن الكثيرين تفهموا طبيعة عمله وأصبح يصنع الفرق؛ وبدأ كثير من شباب جيله يتعرف على ثقافة العمل الشريف إلى جانب دراسته، وقال: لا نحتاج عماله أجنبية أخرى في أعمال لا تكلفنا سوى تصدير ثقافتنا للغير وأن تكون ملماً بعدد من الثقافات العالمية وبساعات قليلة في اليوم. وعن نيته ترك العمل بعد الحصول على الشهادة الجامعية في الطب يوضح "احمد الشهري" أن الحصول على الشهادة والبحث عن وظيفة جيدة هدف مهم؛ ولكن الأهم هم كيفية الحصول على الوظيفة، مستدركاً بأنه لابد أن تملك ثقافة ومعلومات جيده حتى تستطيع أن تحدث الفرق مع بقية المتقدمين؛ والفرق في وجهة نظري هو"الخبرة والممارسة على كيفية التعامل مع الغير والالتزام الذي لابد أن تتعلمه وأنت طالب وليس كموظف". عمالة رخيصة وفاجأنا "يوسف حماد" زوج "رنين بخاري" محلل مالي بالحضور والالتقاء ب"الرياض" في المقهى مع وجود عدد من الأجانب؛ وقال: نبحث عن الشباب الملتزمين بالعمل ومن هم يطمحون في تطوير ذاتهم وشغل وقت فراغهم بعمل جزئي بدلاً من البحث عن العمالة الأجنبية الرخيصة؛ فالتعليم وصل إلى درجة متقدمة لدينا تجاوز كثيراً من الدول التي سبقتنا، متأسفاً عندما تحدث عن نسبة التوظيف السعودي في بعض الأعمال المهنية التي تكاد تخلو تماماً من السعوديين. خدمة المجتمع ويرى الأخصائي الاجتماعي عبدالله الخضر أن العمل الجزئي في المقاهي أو في وظيفة أخرى يخدم المجتمع بغض النظر عن الراتب والمسمى الوظيفي؛ ويكون صداقات ويطور ثقافات وينشئ حوارات، كما أن العمل يرتب الحياة والوقت بغض النظرعن مكانها؛ فهي واجب إنساني قبل أن يكون أمراً مادياً، ويجب على الشاب إيجاد قدوة حسنة له في الحياة. وقال:"كبر في نظري الطلبة الجامعون الذين يعملون عملا جزئيا بجانب دراستهم الجامعية في مقهى بالخبر لأن هؤلاء الشباب هم من نحتاجهم في قادم الأيام".