بعد مرور ثلاث سنوات على سقوط الرئيس الاسبق حسني مبارك في انتفاضة شعبية يتوقع أن يعلن المشير عبد الفتاح السيسي الذي يتمتع بشعبية جارفة ترشحه لرئاسة مصر في انتخابات من المتوقع أن يفوز بها بسهولة. وتعرض السيسي لضغوط لخوض الانتخابات من الجماهير الرافضة للحكومة الإسلامية التي عزلها العام الماضي ومن القوات المسلحة التي تريد رئيسا يستطيع التصدي للعنف السياسي المتصاعد. ومنحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم الاثنين موافقته على أن يترشح في الانتخابات استجابة "لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر". ويرى السيسي أن بإمكانه الفوز بأصوات من أيدوا محمد مرسي في انتخابات الرئاسة عام 2012 لمجرد أنه كان يمثل بالنسبة إليهم تغييرا عن عهد حسني مبارك. ولد السيسي في 19 نوفمبر تشرين الثاني عام 1954 ونشأ في حي الجمالية العريق في القاهرة وتقدم بخطوات مُطردة طوال حياته حتى وصل إلى أعلى رتبة في أحد أكبر الجيوش في الشرق الأوسط. وأعلنت الرئاسة يوم الإثنين ترقيته من رتبة الفريق الأول إلى رتبة المشير. ويقول عنه الأصدقاء والأسرة انه رجل قليل الكلام حاسم القرار. وقال ابن عمه فتحي السيسي الذي يدير متجرا لبيع مصنوعات الحرف اليدوية "انه يحب أن ينصت ويدرس ما يقال بعناية. وبعد أن يستمع إلى كثير من الآراء يتخذ قراره فجأة." ولم يكن العالم يعرف شيئا عن السيسي قبل أن يعلن على شاشات التلفزيون يوم الثالث من يوليو تموز عزل مرسي بعد احتجاجات شعبية ضخمة مناهضة لحكمه. ومرسي هو الذي عين السيسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع في أغسطس آب 2012 وربما كان ذلك أكبر أخطائه. وكان مرسي القيادي في جماعة الاخوان المسلمين يريد قائدا أصغر سنا للحد من نفوذ العسكريين الكبار الذين كانوا يعملون مع مبارك قبل انتفاضة 2011 واستمروا بعده. ويحتمل كذلك أن ما يعرف عن السيسي من تدين لاقى استحسان مرسي. لكن بينما لم يكن مرسي ينصت فيما يبدو لأي انتقادات كان السيسي يحس بالاستياء المتزايد في الشوارع من سوء إدارة الإخوان. وفي نهاية المطاف وجه اليه انذارا: استجب لمطالب المتظاهرين خلال 48 ساعة وإلا تحرك الجيش. وكان السيسي قبل أن يعين قائدا للجيش يتولى رئاسة المخابرات العسكرية حيث شحذ مهاراته الاستراتيجية وكان أصغر الأعضاء سنا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر 18 شهرا بعد سقوط مبارك. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه كان يدرس موضوع الترشح في انتخابات الرئاسة بحذره المعتاد ولم يقرر خوض الانتخابات إلا أخيرا. ولم تكن تصريحات السيسي في ربيع عام 2013 مع تنامي الاستياء من حكم مرسي تشير إلى انه قد يقدم على عزله فضلا عن الترشح للرئاسة رغم شكوكه العميقة في الإخوان المسلمين. وقال السيسي آنذاك "لا بد من وجود صيغة للتفاهم بيننا… البديل فى منتهى الخطورة. ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش انزل الشارع خلاص لو حصل ده لن نتكلم عن تقدم مصر للأمام لمدة 30 أو 40 سنة." وتعكس كتاباته إبان دراسته في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في ولاية بنسلفانيا عام 2006 ادراكا للصعوبات التي تكتنف إقرار الديمقراطية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من المخاطر قرر السيسي خوض الانتخابات بسبب التنامي الهائل لضغوط الشارع ولأن صغار الضباط يحثونه على ذلك لأنهم غير مطمئنين الى قدرة السياسيين على التصدي للتحديات الأمنية في البلاد. وصعد الاسلاميون المتشددون في سيناء هجماتهم منذ عزل مرسي وقتلوا مئات من أفراد قوات الأمن. كما زادت وتيرة أعمال العنف التي يقوم بها إسلاميون في أنحاء أخرى من البلاد بما في ذلك القاهرة. ويحظى السيسي بتأييد الجيش أقوى مؤسسة في البلاد ووزارة الداخلية وكثير من الساسة الليبراليين ومسؤولي عهد مبارك ورجال الأعمال. ومع شعبية السيسي الجارفة ستتيح له هذه القوى على الأرجح الكثير من الوقت لاثبات نفسه كرئيس. وتخلو الساحة من أي سياسيين آخرين يمكنهم تحديه في أي وقت قريب. ولم يتضح بعد إن كان حذر السيسي يمكن أن يترجم إلى مهارات يتطلبها منصب الرئيس. لكن خطواته قبل عزل مرسي تكشف عن مهارة سياسية كبيرة فقد تمكن من كسب إجماع أطراف أساسية من زعماء سياسيين إلى رجال دين قبل أن يتخذ قرار العزل. ولم يفصح السيسي عن الطريقة التي سيتصدى بها لمشاكل مصر الكثيرة مثل أزمة الاقتصاد وفوضى الشوارع وتصاعد عنف المتشددين. لكن من التقوا به في الآونة الأخيرة يقولون إنه يدرك ضرورة مكافحة الفقر. وبالنسبة لكثير من المصريين يبدو السيسي منيعا في الوقت الحالي فهو شخصية قوية يتطلع إليها الكثيرون بعد سنوات من الاضطراب. وفي مقهى قريب من حيه العريق علقت صورته بجوار صور بالأبيض والأسود للرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات. ويرى مؤيدو السيسي أن عزيمته وتركيزه كافيان لانقاذ مصر. وقال احد سكان الحي وكان يعرف السيسي ان الصبية الاخرين كانوا يلعبون كرة القدم ويدخنون أما السيسي وأصدقاؤه فكانوا يمارسون رياضة رفع الأثقال مستخدمين أدوات بدائية يصنعونها بأنفسهم في علامة على الانضباط المبكر. وقال عاطف الزعبلاوي وهو عامل في مصنع للصباغة كان يرى السيسي كثيرا في المنطقة "كان عبد الفتاح يبدو دائما أن له هدفا. كان قوي الارادة." ويقول جيران إن السيسي نشأ في أسرة مترابطة متدينة وقال ابن عمه إنه حفظ القرآن. وكان أبوه يشجعه على العمل في متجره يوميا بعد المدرسة. وأقام في شقة صغيرة فوق سطح مبنى سكني متداع تملكه عائلته الكبيرة. وقال ابن عمه "عندما تعرض شقة في المبنى للبيع فإنها كانت تباع لأحد أفراد العائلة.. بين الأشقاء على سبيل المثال." وأضاف أن السيسي تزوج من داخل العائلة الكبيرة. لكن منتقدين اسلاميين وليبراليين يخشون أن يؤدي انتخاب السيسي الى العودة الى عهود القمع. ومع ذلك فحتى السياسيين الأمريكيين الزائرين أصيبوا فيما يبدو بحمى الاعجاب بالسيسي. وعبرت النائبة الأمريكية سينثيا لوميس بعد لقائها به عن اعجابها الشديد. وقالت "تحدث كصاحب رؤية وكمنفذ. بدا كما لو كان متعدد الأبعاد." ويقول اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل إن من المرجح أن يطلب السيسي من المصريين الذين أطاحوا برئيسين في السنوات الثلاث الاخيرة التحلي بالصبر. وقال سيف اليزل الذي يلتقي بالسيسي شهريا "ليس لديه حل فوري لكل شيء. أعتقد أنه سيقول للشعب إن لدينا مشاكل وهذه المشاكل ستستمر بعض الوقت. يجب أن تتحملوا معي.. سنعاني قليلا."