صناعة الرأي العام مسألة في غاية الأهمية، إذ من خلالها تتم صياغة المواقف تجاه أي قضية من القضايا. وفي عصر الإغراق المعلوماتي، أصبحت صياغة هذا الرأي وصناعته خاضعة لأطراف عدة القليل منها يأتي بشكل عفوي، لكن الغالب منها يتم توجيهها بشكل متعمد، ويتم إفراغها أحيانا حتى من محتواها النبيل، لتتحول بشكل أو بآخر إلى طعنة في خاصرة الأوطان. والاختطاف الذي تتعرض له قضايا الرأي العام، لا يمكن تجاهله أبدا، ولا يمكن التهوين منه. هناك أطراف قد لا تريد خيرا، ولكنها تستغل الرأي العام لدس السم في الدسم. وقد شهدت أحداث الربيع العربي مثلا شدا وجذبا لا يكاد ينتهي حتى يبدأ. كانت الأسئلة دوما عن المشروع وغير المشروع في تلك الأحداث. وهو الأمر الذي ظهر أخيرا من خلال ما يعرف بالمنظمات الداعية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي تمولها الحكومة الأمريكية. إشكالية هذه المنظمات وتمويلها الخارجي وتمددات بعض أطرافها، تجعل الذهن الخالي من أي مؤثرات، يطرح الأسئلة بشأنها. وهي أسئلة لا يمكن تجاهلها، بحجة الحياد أو سواه من حجج. خاصة إذا كانت هذه المنظمات لا تبرئ نفسها من تسييس قضاياها لتخدم أجندة الدول التي تنتمي إليها، وهو ما يعترف به بول أوبرين نائب رئيس قسم السياسة في منظمة الإغاثة الدولية في تقرير بثته "رويترز" الخميس، معتبرا أن هذا الأمر جاء (بعدما أصبح جدول أعمالنا العام الخاص بالتنمية العالمية ذا مدى أقصر ومسيسا لتحقيق مصالح وطنية أمريكية أضيق، مثلما حدث في العراق وأفغانستان) ويضيف أن هذا قلل الثقة (في جدول أعمالنا الداعي للديمقراطية). وفي السياق نفسه، تبدو صورة العرب الذين لهم تواصل مع مؤسسات المجتمع الأجنبي الأجنبية غاية في التشويش. إذ كيف يمكن أن يتم الفصل بين الطرح الوطني والتحالف الفردي مع مثل هذه الجهات غير البريئة. السؤال يثير ضجيجا. وكثيرون تتعالى أصواتهم بعصبية، لكنهم لا يملكون حججا مقنعة حتما.