د. هاشم عبده هاشم ** لم يفاجئني فوز الابن والأخ والصديق والزميل عبده خال بجائزة البوكر العربية الدولية على روايته \"ترمي بشرر\"لأنني ومنذ عرفته قبل حوالي (20) عاماً..لمست فيه شفافية الإنسان القادر على التقاط الأشياء الصغيرة..والتفاعل معها..والانفعال بها بكيميائية غريبة..وبتلقائية طبيعية. ** فقد عاش \"عبده خال\"حياة قروية..ذات مواصفات إنسانية ثرة..وجميلة..استعذب من خلالها حياة اليتم..والشقاء..والبؤس..والفاقة..وسماحة روح الإنسان..وعفويته..ونقائه..وصدقه..وفوضويته **كما عاش تفاصيل معاناة الإنسان سواء في حالة فقره..وفاقته..وعزلته..وتخلفه..وقسوة الحياة عليه..أو في حالة غناه..وشبعه..وتوفر أسباب العيش الهانئ أمامه..ولكن دون شعور بالحد الأدنى من السعادة..أو الرقي..أو الاستقرار النفسي.. ** فالمال..والجاه..والقوة..والجبروت..في نظر عبده خال..مجلبة للتعاسة..والشقاء..فلرب فقير عاش حياة هانئة..وجميلة في أحضان الحقل..وقريباً من الساقية..أو خلف سنارة الصيد..أو تحت ظلال شجرة المزرعة الوارفة..أو في \"سنبوك\"متهالك يتهاوى في أعماق البحر..أو تحت وطيس الشمس الحارقة في أعماق الصحراء..أفضل بكثير من هذا الإنسان الجاثم فوق ملايين الدولارات..ومئات الشركات..والمؤسسات..والمصانع..ومختلف مظاهر \"الأبهة\" و\"الوجاهة\"، و\"السلطان\".. ** كما أن عبده خال..يعيش حالة رفض شديدة في داخله لكل ما هو مزيف..وطارئ..ومعقد..وغير بسيط..وغير طبيعي أو تلقائي..لأن هذا السلوك \"المصطنع\" يتنافى مع الطبيعة الإنسانية البشرية الصافية صفاء الماء..وشمس الصحراء..وعذوبة نسائم الليل الهادئ..في دواخلنا.. ** والذين لا يعرفون عبد خال عن قرب قد لا يعرفون أن هناك شبهاً كبيراً بين حياته \"باذخة التواضع\" وبين حياة أبطاله، تماماً كما صورها ديكنز..وتشيكوف..وتولستوي..والطيب صالح..ومورافيا..وماركيز..ونجيب محفوظ..وعبدالرحمن منيف..\"فهو حالة إنسانية خاصة تشعر وأنت تتعايش معها..كأنك تحيا في عصر الفضيلة،والنقاء الإنساني المتجرد من الحياة المادية القذرة\". ** فكيف لا تفوز روايات عبده خال..بأكبر وأهم الجوائز..ومحفزات الإبداع..وترسيخ مبادئ الطهارة الإنسانية..والنقاء النوعي في زمن تلوث فيه كل جميل.. ** وإذا كان هناك جانب لا يعرفه الكثيرون عن \"عبده خال\"..فهو..أن هذه الخصائص وتلك الصفات والمكونات الإنسانية الطبيعية قد أغرتني بأن أدفع به في جريدة عكاظ للتواصل مع إنسان الجريدة وقارئها البسيط فكان أول من أعطى مساحة لرأي الشارع بقوة..تجاوز معها الخطوط الحمراء ولكنه قدم الإنسان في هذه البلاد كما هو..وليس كما يصوره الإعلام الآخر وكأنَّ كل مواطن في هذه البلاد يملك برميل بترول..ويعيش حياة الرفاه وخواء العقل..وضحالته في آن معاً.. ** ثم كانت التجربة الثانية لي مع روح عبده خال وتركيبته الشخصية..فهو إنسان يجمع في داخله بين إنسان هادئ..وطيب..ومسالم..ومهذب إلى أبعد الحدود..وبين إنسان عنيف..وساخر وعاصف..ومستفز..وعدواني جميل في آن واحد..ولذلك فقد حرضته لكي يدخل عالم الكتابة اليومية..حتى أصبح صاحب أجمل قلم يعبر عن الكثير مما يدور في دواخلنا ومكنونات نفوسنا..مما رشحه عندي للتربع على الصفحة الأخيرة..لملامسته لهموم الناس وتفاعله مع أنماط حياتهم المختلفة.. ** ولو دخل عبده خال مسابقة الكتابة اليومية المعبرة بصدق عن أحاسيس الناس ومشاعرهم..فإنه سوف يفوز بجوائز أخرى..غير ما حصل عليه من جوائز على إبداعاته القصصية هذه.. ** ولعل أجمل ما في عبده خال..أنه إنسان..يجمع في داخله بين شخصية الفنان..وصلابة الثوري..وجمال اللحظات الماطرة..وفوضوية حياة المتشردين..ورعاة الغنم..وإحساس الفلاسفة.. وشقاوة الأطنال. *** ضمير مستتر: **(أن تكون إنساناً..فتلك هي الهوية التي ترتفع أسهمها في كل البورصات في كل زمان ومكان).