«إن عشقت اعشق قمر وان سرقت اسرق جمل»، يبدو أن هذا المثل المصري كان في مخيلة موظف البنك الذي اختلس 230 مليون ريال. نشرت صحيفة «الجزيرة» الخبر أول من أمس، وكان العنوان جذّاباً وُفِّق الزميل سعود الشيباني في اختياره، «عرف بالنزاهة لثلاثين عاماً...موظف بنك يسطو على 230 مليوناً من رصيد عميلين بالبنك»، وحسب الخبر فالموظف، وهو مدير الفرع من الجنسية اليمنية، اختلس وزيف بيانات كان يقدمها مصدقة من رؤسائه للعملاء، فإذا سألوا آلة الصراف قدمت أرقاماً منخفضة، والقصة مثيرة في تفاصيلها القليلة، فأنت عزيزي القارئ لن تعرف اسم البنك جرياً على العادة السعودية، لذلك لا خيار أمامك سوى أن تحك رأسك، وتسأل أي بنك من بنوكنا العزيزة... على مؤسسة النقد؟ لتعلم «حسن إدارته». وشخصياً لا أرى للجنسية علاقة بالموضوع، فالصالح والطالح متوافر في كل مجتمع، لكن عدم الشفافية التي يعيشها القطاع المصرفي السعودي تدفع للتحليل والتأويل وحك الرأس والاستنتاج. ما أثار أكثر في خبر الزميل الشيباني هو العنوان «عرف بالنزاهة على مدى ثلاثين عاماً»، وفكرت وتأملت هل للنزاهة تاريخ صلاحية، فإذا لم تؤكل قبل الانتهاء تفسد؟! لتصبح بلا قيمة «بلها واشرب مويتها»، وهناك فرق بين النزاهة والستر، فمن لم ينكشف ويخضع لامتحان النزاهة يعتبر نزيهاً إلى حين، مثل المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، و230 مليون ريال لقمة كبيرة جداً وساخنة.. «تكه» ويصل إلى ربع بليون، وتكشف ضخامتها عن نوم مؤسسة النقد عن الرقابة، فلا يعقل لموظف بنك التفكير برقم مثل هذا لولا عادة وعلم ودراية بالبيئة المحيطة، وإلا فنحن لا نفهم! يشعر بعضنا، بعد مرحلة طويلة من العمل في قطاع أو وظيفة، بأنهم فشلوا في حياتهم لأنهم لم يحققوا ثروة معقولة، يقارنون أنفسهم بآخرين أخذتهم مصاعد الثروة إلى أعلى، أرجو ألا يدقق أحد في نوع هذه المصاعد وعدد أبوابها فالمهم هو النتيجة، هناك مصاعد تفتح على جهتين، والذي يستطيع التعامل معها يختلف عن غيره. مثل هؤلاء يفكرون كثيراً في نزاهتهم وماذا تحقق منها لهم، مقابل آخرين استغلوا الفرص.. الذهبية، وعدم الشفافية التي نعيش في جُبِّها تغذي هذا الشعور وتدفع لإعادة التقييم وربما الدخول إلى «النادي». بقي شكر خاص لشرطة الرياض وجريدة «الجزيرة» والزميل الشيباني، الذين مرروا الخبر حتى من دون أسماء، ولو كان الأمر بيد البنك أو مؤسسة النقد لوضع في ملف «لا احد يدري»، والأخير لا يعرف حجمه، لذلك تحك رأسك وتتوقع حجم بعير.