تزامن تحرك وزير الصحة (الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة) بسرعة، لتحري أسباب استقالة (119) طبيبا سعوديا العام الماضي، مع مقال كتبته الكاتبة المعروفة (جهير عبد الله المساعد) تنعى فيه إبداع الأطباء السعوديين متسائلة: «هل لدينا بيئة مهنية محفزة للأطباء، الذين يعملون في مستشفياتنا الحكومية، كي يكونوا مبدعين؟» (صحيفة عكاظ، 17 جمادى الآخرة 1431ه، ص 42). من يريد معرفة أوضاع أولئك الأطباء، يكتشف أنهم يعانون عوامل محبطة: عدم إنصافهم، وسوء معاملة بعض المسؤولين لهم، و«تطفيشهم» بشتى الوسائل، ووجودهم في مبان مهترئة، واكتظاظ عياداتهم بالمراجعين، مما يستدعي بقاءهم حتى ساعات متأخرة من دوامهم، فضلا عن خلو بعض المستشفيات من الحد الأدنى من الخدمات المقدمة لهم (دورات مياه نظيفة على سبيل المثال) وحاجتهم للراحة النفسية والجسدية، كي يتمكنوا من التركيز في عملهم أكثر، والتعامل مع مرضاهم بروح إنسانية، وإذا طالبوا بتزويد العيادات بحاجاتها الضرورية فإن مصيرهم النبذ، والإقصاء، فكيف يطلب منهم أن يكونوا إنسانيين في تعاملهم، ويعطون مرضاهم حقوقهم من العناية في الكشف، وهم أنفسهم يتعرضون لضغوط نفسية.؟ أعرف أطباء وطبيبات سعوديات تخصصهم نادر أمضوا أكثر من (20) عاما ولم يحصلوا على حقوقهم الوظيفية في الترفيع، بينما حصل عليها تلامذتهم، وحين اشتكوا إلى صاحب القرار، تفاعل معهم، ووقف إلى جوارهم، وأبدى اهتماما بالغا بهم، وعندما أحيلت شكواهم إلى رؤسائهم، بطلب الإفادة، وضعت في أدراج مكاتبهم، وما أطولك يا ليل.!! من قتل الإبداع عند الأطباء السعوديين ؟ من أين جاء أو وفد؟ لماذا يذبح، ويسلخ، ثم يترك ذبيحته مضرجة بدمائها، ويختال ماشيا آمنا مطمئنا، ينام ملء جفونه عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصموا، ليُطرح السؤال من جديد: هل لدينا أطباء مبدعون؟ من المسؤول عن معاناتهم؟ هل سلم الرواتب الظالم؟ أم البيروقراطية العتيقة، التي هضمت حقوقهم؟ أم من أساء إليهم من رؤسائهم عديمي الإحساس بالمسؤولية؟ الذين «لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا» (سورة النساء، الآية 9) ولأطلقوا طاقات المبدعين من عقالها، في وطن فيه مؤسسة للإبداع تحمل اسم المؤسس الملك عبد العزيز، يرأسها عبد الله بن عبدالعزيز. يروى أن مسؤولا صحيا كبيرا، سئل عند لقائه مع الأطباء السعوديين المقيمين (نوفمبر 2008م) عن معاناة الطبيب المقيم، في بقائه لوقت متأخر في المستشفى بعد يوم مناوبة فأجاب: «عليه أن يمكث مع الاستشاري، حتى يخرج من المستشفى» الذي أخشى أن يتحول إلى: مستشقى.!! الأطباء السعوديون المبدعون، لا يطالبون بأكثر مما يحفظ لهم كينونتهم، ويمد لهم أذرعا مساندة، لا صفعات تنهال على وجوههم، وركلات توجه إلى صدورهم، ورفسات تلقي بهم خارج الاستخدام الآدمي، في الوقت الذي يجدون فيه اهتماما بالغا من هرم الدولة، بينما بعض رؤسائهم يديرون له ظهر المجن، وحينما تظلم معالم الطرق أمامهم، لا يجدون مفرا من الهجرة إلى بلاد الله الواسعة، فمن هو الخاسر الأكبر؟ أليس الوطن الذي يعتز بوجودهم ويفخر، وقد أنفق على تعليمهم ملايين الريالات؟ أليس المرضى الذين هم في حاجة ماسة لهم؟ أمنوا للأطباء بيئة صحية ملائمة، ففقد المال يعوض، أما فقد الثروة البشرية فكارثة. *إعلامي وعضو مجلس شورى سابق