عانت الكثير من دول العالم ومنها دولة جنوب أفريقيا من مشاكل الفساد في كل من القطاع الحكومي والخاص إلى أن تحسن الوضع لديهم بعد حصولهم على الاستقلال، وقد أدت تلك المعاناة إلى... إصدار العديد من الكتب والمؤلفات العلمية الحديثة لإيضاح أساليب الفساد وأوجهه ومفرزاته ولتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة في الإدارة. ومن أبرز تلك المؤلفات كتاب صادر باللغة الانجليزية تحت عنوان "المهنية والأخلاقيات...الحرب على الفساد العام" "Ethics and professionalism: the battle against Public Corruption" من تأليف ج.س.ه جلدن هايز وبتقديم من البروفسور/س.فيلنكومو، عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بريتوريا. فإلى جانب ما احتواه الكتاب من إيضاح للمبادئ والأخلاقيات في الإدارة العامة، أشارا الكاتب إلى ما قد دعى إليه الإسلام والديانات الأخرى كاليهودية والبوذية والهندوسية من أسس مشتركة تحكم علاقات الناس بعضها ببعض. وكذلك فيه ذكر لما أكدته المعاهدات والقوانين الدولية من مفاتيح أساسية تحكم العلاقات الإنسانية ضمن أطر أخلاقية بحيث تكون على النحو التالي: العدل، المساواة، الاحترام المتبادل، الأمانة والصدق في جميع التعاملات. فاستلهمت من خلال قراءتي السريعة لبعض فصول هذا الكتاب الكثيرمن مبادئ الإدارة في القطاعات العامة. ووقعت عيني فيما وقعت على فصل من فصول الكتاب الذي يوضح أن الفساد ليس بالضرورة اختلاس ونهب للأموال ولكن الإهمال أو بمعنى أخر "التطنيش" من قبل موظفي الإدارات في القطاع العام هو ضرب خطير من الفساد. فهو خطير لأنه غير ملموس وبما أنه غير ملموس فإنه في العادة لا توضع له القوانين التي تردع ممارسيه فتصعب مكافحته. كما أنه لم يفت على الكاتب وصفه بأنه الفساد الغير إجرامي. ولكي أثبت أو أنفي نظرية وجود "متلازمة التطنيش"المطروحة من قبل كل من الكتاب السابقين وكذلك البعض من العاملين في القطاعات الحكومية وأيضاً البعض من المواطنين المستفيدين من الخدمات الحكومية. بدأت بتقليب صفحات الانترنت من خلال محرك البحث "جوجل" وقد استخدمت مفردات مفتاحيه ككلمة " التطفيش" في سبيل الإطلاع على ما سبقني إليه الكتاب من مقالات متعلقة بهذا الشأن. ولقد أسفر البحث عن التلازم المتكرر لكلمتي "التطنيش" و"التطفيش" في الكثير من المقالات المنشورة. وعلى الرغم من أننا قد نستطيع الجزم بأن التطنيش هو عادة ما يؤدي إلى التطفيش. إلا أن تلك القاعدة قد لا تنطبق على المشكلات المتعلقة بهموم الناس واحتياجاتهم. وعلى الرغم من انتهاج البعض لمنهج " طنش تعش" إلا أننا في الحقيقة لو أردنا إسقاطها على أي من النظريات العلمية للإدارة فإنها لا تنطبق على الإطلاق. فكثيرا ما سمعنا عن المعاملات التي قد حُفظت في الأدراج كضرب من ضروب التطنيش المؤدي للتطفيش وكذلك التأخير الغير مبرر للمعاملات وعدم إنجازها في الوقت المحدد. أوعن إرشاد الناس بجمل وعبارات مضلله لكي لا يطالبوا بحقوقهم القانونية. أوعن عدم الشفافية والوضوح في التصريح لتغطية الأهداف والمآرب الشخصية. فجميع تلك الممارسات هي إما بسبب عدم كفاءة الأشخاص القائمين عليها أو لعد التزام القائمين بها بأخلاقياتهم المهنية، فكل تلك الممارسات وصفت من قبل المختصين بالفساد الغير إجرامي. كما أن كثرة تطنيش المسؤول وعدم اكتراثه بشؤون الناس وتطلعاتهم أوفي كثير من الأحيان عدم وضعه لأولويات الناس ضمن أجندة أولوياته قد لايؤدي بالضرورة إلى التطفيش، ولكن قد ينتج عنه متلازمة أخرى خطرة قدلا تُحمد عقباها. وأخيرا: معذرة إذا كنت قد أدرجت بعض الكلمات من اللغة العامية( كالتطنيش أو التطفيش) ولكن وجدت أن ذكرها من الضرورة بمكان لتقريب الصورة إلى الأذهان. إذًا نعم للمهنية العالية.. و تحية للموظفين المحافظين على الأخلاقيات المهنية.. ولا وألف لا لمتلازمة التطنيش لأنها وجه قبيح من وجوه الفساد الغير إجرامي.