كما اللصّ المحترف، يبدأ السرطان غزواته حينما ينام الجميع، فيتسلل لمناطق جديدة من جسد الإنسان ويوسّع انتشاره خلسة في الظلام، وهو ما عنى للباحثين الذين اكتشفوا أخيراً سر هذا اللص المحترف شيئاً واحداً: يمكن أن يتغير كل شيء لو تناول مرضى السرطان عقاقيرهم ليلاً بدل النهار. وتقول خلاصة الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة Nature Communications، إن الكتلة الخبيثة تكبر وتتضخم في الليل عند المرضى المصابين بالسرطان، وإن الخلايا السرطانية تنشط حينما ينام المريض، في حين يتثبّط تطور المرض لحدوده الدنيا خلال اليوم عندما يكون المريض مستيقظاً ونشطاً. لذلك وبحسب النتائج، فإن فاعلية الأدوية المضادة للسرطان قد تكون مرتبطة بتوقيت الدواء لا أكثر، إذ إن تناول العقار المضاد للسرطان ليلاً يمكن أن يحاصر الخلايا الخبيثة في ذروة نشاطها، ويحد بالتالي من تطور المرض وتوسعه في جسد المريض، وهو ما يزيد من فاعليه هذه العقاقير في محاربة أخطر الأمراض وأكثرها فتكاً بالإنسان. وأثبت الباحثون صحة فرضيتهم في تجارب أجروها على الفئران، فبعد أن أصابوا عدداً من الفئران بالسرطان وجدوا أن تلك التي تناولت العقار المضاد للسرطان ليلاً قاومت المرض بشكل أكبر، وكانت الكتل الخبيثة أقل حجماً في أجسادها في نهاية التجربة، مقارنة بالفئران التي تناولت العقار في ساعات النهار. وفسر الباحثون هذه النتائج بتأثير هرمونات معينة تفرز في جسد الإنسان خلال ساعات نشاطه في النهار، من زمرة معروفة طبياً باسم ال"غلوكوكورتيكويد"، تمارس هذه الهرمونات تأثيرها على الخلايا السرطانية وتثبط من نشاطها، في حين أن انخفاض نسبة هذه الهرمونات ليلاً يؤدي إلى نشاط الكتلة السرطانية وزيادة حجمها. وقال يوسف ياردن، أحد الباحثين الذين شاركوا في الدراسة: "إنها مسألة توقيت على ما يبدو، دائما ما يعطى علاج السرطان خلال النهار، ماذا إذا لم يكن الأمر في اختراع عقاقير جديدة، بل فقط في تغيير مواعيد إعطاء الدواء الذي نملكه حاليا؟". ويعتقد الباحثون بضرورة إجراء تجاربهم على الإنسان بعد أن أثبتت النتائج على الفئران صحة فرضيتهم، ويصرون سلفاً على أن اختلاف فاعلية الدواء في علاج السرطان بين إنسان وآخر قد تكون مرتبطة بتفصيل بسيط لا يأبه له أحد.. اختلاف توقيت تناول الدواء من مريض لآخر.