خلال مروري بجانب بائعة الفاكهة ، وهي المسئولة عن وزنها وتسعيرها ، كانت قد تسمرت فوق كرسيها ، وقد تعلقت عيونها داخل درج طاولة المحاسبة الذي جعلت تسترق النظر إليه مع اندماجها الواضح بشيء داخل الدرج النصف مفتوح .. أثار الفضول فيني حب الاكتشاف ، ماذا بالدرج ؟ وماذا ترى ؟ فرجعت خطوتين للوراء ، ومددت رقبتي لأرى .. وعجبي .. ما رأيت ! كانت تقرأ صفحة بالية من جريدة محلية ، أثنتها كثيرا حتى لا يظهر منها سوى المقال الذي تقرؤه ، وجعلته في الدرج المفتوح جزئياً ، وهي تنظر للأسفل .. " تقرأ " لم أندهش من كونها تقرأ ، بل من الطريقة الغريبة التي بها تقرأ !! وبكل صوت خطواتي ، وصوت أنفاسي فوق رأسها .. بالتأكيد أحست بوجود رأس فضولي تخرج منه استفهامات عديدة !! ضحِكَتْ ، وفهمت البائعة كل ما دار في رأسي ، وأجابت دون سؤال مسبق .. - إنهم يمنعونا من القراءة أثناء العمل .. أياً كانت .. قراءة مجلة ، صحيفة ، كتاب .. أو حتى قرآن . - قلت : قرآن ! - قالت بأسى : نعم . زادت استفهاماتي ، واستنكرت فعلا قوانين العمل التي تمنع القراءة ، لم أقل قراءة تمنع خدمتها لزبائنها ، بل قراءة في الوقت الذي لا يوجد فيه زبائن .. على الأقل . انفتح الحوار بيني وبينها أكثر ، بعد أن طلبت منها أن تزن لي بعض حبات الأفوكادو التي كنت أحملها .. - قالت : تحبين هذه الفاكهة ؟ - قلت : نعم . - قالت : كيف تحبين تناولها ؟ فأجبتها ... وهنا بدأ حوار طبي بيننا عن فوائد هذه الفاكهة للجسم ، وغناها بالحديد والدهون غير المشبعة والمعادن و .. رغم أن الحوار قد ابتدأ بحبة أفوكادو ، لكنه وصل إلى أحدث الكتب والمؤلفات المحلية والعالمية ، مروراً بالكتب الدينية ، ثم كتب تطوير الذات ، وكتب الفلسفة والشعر ، وانتهاءً بالكتب التاريخية العظيمة .. خلال كل هذا ، كان العلم والفكر الذي كانت تتكلم فيه بائعة الفاكهة قد أثار إعجابي ، ودلل لي على حبها الشديد للقراءة ، وإطلاعها الكبير على كتب ثمينة .. بعد حوار طويل وأنا أقف بجوارها ، وبجوار أصناف الفاكهة ، أحست بغرابة حوارنا ، فَعَلَتْ محياها ابتسامة .. وقالت : أترين المكان ؟ يرونني بائعة فاكهة .. " لكن لا يُقاس المرء بالمكان ، إنما بالفكر وإن قلّ المال " . يا لها من نصيحة ! تردد صداها كثيرا في عقلي .. ودعتها .. على أمل أن أجدها لأهديها بعض الكتب التي بحثَتْ عنها طويلا وتمنتْ قراءتها .. ودعتها .. لأرى الناس بصورة أكثر وضوحا . *طالبة طب السنة الثالثة - جامعة السلطان قابوس