على رغم عدم سيره على خطى والده في الأدب والسياسة، إلا أن الابن البكر للراحل الدكتور غازي القصيبي يجسّد مقولة «هذا الشبل من ذاك الأسد»، إذ استطاع أن يخلق لنفسه أسلوباً فريداً ميزه عن غيره من رجال الأعمال الشباب، ويمكن اعتباره أيضاً شخصاً متمرداً يرفض أن يتم تقييده. وصفته مجلة «طيران الخليج» برجل الأعمال المستقل وصاحب الأفكار التسويقية غير التقليدية، عاهد نفسه بعد عمله في بنك لندن في التسعينات بألا يعمل موظفاً قط، ليؤسس أعماله الخاصة، مستثمراً خبراته كمعلم للفنون القتالية ومستشار في أساليب التسويق الحديث، إضافة إلى كونه أيضاً خبيراً في إنقاص الوزن من خلال الاعتماد على الحلول النفسية. سهيل القصيبي الذي أجرى معه الحوا الزميل : محمد الجمعي يصحيفة «الحياة» اللندنية بحوار يتناول جوانب من والده، يحمل أيضاً صفة التسامح التي كانت تميز الراحل الدكتور غازي القصيبي، إذ عوضاً عن مهاجمة منتقدي والده أو معاتبتهم قدم لهم الشكر، وتمنى لهم التوفيق في حياتهم. وأكد عدم حمله وعائلته أي حقد اتجاه من كان يخالف آراء والده. وكشف القصيبي الابن عدداً من الجوانب المثيرة والمهمة في حياة الراحل وفي شخصيته، من بينها أن والده كان يجد نفسه كأديب أكثر من أي شيء آخر، وكون الراحل كان يفكر جدياً في كتابة تفسير للقرآن الكريم قبل أن يتراجع عن فكرته، إلى جانب كون قرارات والده كوزير للعمل كان معظمها يصدر عن مجلس الوزراء ولم يكن والده من يقوم بإصدارها. ووصف القصيبي اهتمام خادم الحرمين الشريفين بوالده وتعزيته بالفضل الذي لن تنساه عائلة الراحل. فإلى نص الحوار: مَنْ مِن الشخصيات الرسمية أو العامة يمكن القول إنه لازم الدكتور القصيبي في أيامه الأخيرة، وهل لمس الراحل أن أحداً تخلى عنه؟ - كانت والدتي معه دائماً ولم تفارقه أبداً، وبالنسبة إلى الشخصيات العامة كان وزير التخطيط السعودي العم خالد بن محمد القصيبي يزوره باستمرار، وكذلك كان مدير مكتبه هزاع العصيمي معه يومياً، إضافة إلى الأخوان بدر الريس ونواف الماضي. على رغم اشتداد المرض إلا أن الأديب غازي القصيبي لم يستسلم له، وكتب عدداً من القصائد وكشف عن أحد أهم مؤلفاته الأدبية وهو على سرير المرض، ماذا عن القصيبي الوزير خلال مرضه، هل كان يتابع وزارته؟ - لا لم يكن يتابع أعمال الوزارة، وبحسب علمي كانت الوزارة تدار بشكل يومي من نائب الوزير الدكتور عبدالواحد الحميد. كيف كان يتعامل الدكتور القصيبي مع منتقديه، خصوصاً بالنسبة إلى الذين كانوا يتجاوزون آداب النقد ويصل بهم الأمر إلى التطاول على شخصه؟ - لم يكن - رحمه الله - يهتم كثيراً بمنتقديه، وكان مقتنعاً بأهمية قضية توظيف السعوديين، وتقليل اعتماد الدولة على العمالة الوافدة، وكان يفعل ذلك بتوجيهات ولي أمره. وبالمناسبة، معظم «قرارات غازي القصيبي» في وزارة العمل لم يتخذها هو، بل صدرت عن مجلس الوزراء، ولكنه حرص على تطبيق هذه القرارات. أين كان يجد الراحل نفسه أكثر، كسياسي أم كأديب أم كوزير ومسؤول حكومي، وما هو أكثر منصب شغله القصيبي وكان يعتبره الأنسب له؟ - أعتقد أن الوالد كان يعتبر نفسه أديباً أكثر من أي شيء آخر، الأديب ليست له مسؤوليات كبيرة، أما المناصب الأخرى فهي تأتي وتذهب، بينما الأديب باقٍ. ولكن أعتقد أيضاً أن المنصب الذي كان يعتبره القصيبي الأنسب له، هو عمله سفيراً لبلاده لدى البحرين في الثمانينات الميلادية، إذ إضافة إلى أن العمل كان خفيفاً أو سهلاً نسبياً، فقد كان يعيش بين أهله وأصدقائه في البحرين. بالنسبة إليك، ما المنصب الذي تعتقد أن غازي القصيبي قدم فيه أفضل ما لديه؟ - بالنسبة إليّ أعتقد أنه كان بارعاً ولامعاً في جميع المناصب التي تقلدها. هل كان الراحل يتحدث لأبنائه عن تفاصيل عمله، أم كان يعتبر أسرته ممن يشملها ضرورة الحذر وعدم الإفشاء لها بأسرار العمل؟ - كان يتكلم عن بعض الأمور الروتينية في عمله، ولكنه لم يكشف عن أي أسرار حساسة. هل من قرار اتخذه الدكتور الراحل وأعرب لاحقاً عن ندمه على اتخاذه؟ - لم أسمع قط أنه ندم على أي قرار اتخذه. كان معارضو الراحل يتهمونه بتأييد سعودة الوظائف البسيطة، مقابل استغلال نفوذه في تعيين أبنائه في مناصب حكومية مهمة كالديوان الملكي وبعض الوزارات السيادية، أين يعمل أبناء القصيبي؟ - نحن جميعاً نعمل في البحرين، أنا وأخي فارس وأختي يارا لنا أعمالنا الخاصة، بينما يعمل أخي نجاد في بنك، وليس لأي منا وظائف حكومية. هل يمكن القول إن القصيبي جنب أبناءه العمل في القطاع الحكومي خشية اتهامه باستغلال نفوذه، خصوصاً أن جميع أبنائه يتمتعون بتأهيل علمي يؤهلهم لشغل وظائف قيادية في القطاع العام؟ - ترك الوالد - رحمه الله - خيار الوظيفة لنا، وكان اهتمامه الأول تعليمنا، وبعد حصولنا على الشهادات الجامعية اقتصر دوره على تقديم النصائح في خياراتنا العملية. في البرنامج الإذاعي «كريزي كيف» قلت إنك تعلمت خمسة أشياء من والدك الراحل، ومن بينها ذكرت ضرورة الحفاظ على الصلاة، والاهتمام بالجانب الديني في حياتك، هل يمكن أن تحدثنا عن الجانب الديني للراحل؟ - كان - رحمه الله - رجلاً متديناً، ومنذ صغره كان يحرص على ختم القرآن الكريم في شهر رمضان من كل عام، وكان أيضاً متعمقاً في الفقه، ويدرس جميع المذاهب الإسلامية، كان شبه موسوعة في التاريخ الإسلامي، وكان لديه عدد كبير من كتب تفسير القرآن بعضها نادر جداً. وقد فكر مرة في كتابة تفسير للقرآن الكريم، ولكنه غير رأيه فيما بعد، وحين مرض لم يشتكِ قط، إنما اعتبر المرض بلاء من الله سبحانه وتعالى وتقبل الأمر بإيمان تام. هل كان الراحل يصنف نفسه ليبرالياًَ، وماذا كان موقفه من العلمانية؟ - لا أعلم ما إذا كان يصنف نفسه ليبرالياً، ولكن الناس كانوا يصفونه بالليبرالي، ولكن الأكيد أنه لم يكن يؤمن بمبدأ العلمانية. شخصياً هل تصنف والدك مفكراً ليبرالياً؟ - شخصياً أصنفه مفكراً إسلامياً، وأذكر أن فضيلة الدكتور سلمان العودة سماه «الشيخ غازي القصيبي» في إحدى حلقات برنامجه «حجر الزاوية». ما وصايا الدكتور غازي لأبنائه؟ - اعذرني، فأنا لا أريد أن أخوض في هذا الأمر. كيف وجدتم نعي الراحل في السعودية؟ وماذا تقولون لمن انتقد أفكار الراحل بعد وفاته؟ - نحن - عائلة الراحل - عاجزون عن الشكر لكل ما قيل من عبارات طيبة عن المرحوم - بإذنه تعالى - في جميع وسائل الإعلام السعودية والإقليمية وكذلك الدولية. وبالنسبة إلى الذين انتقدوا أفكار الراحل فلا نقول لهم شيئاً، لأن لهم الحق في انتقاده، فالوالد - رحمه الله - ليس معصوماً وكان مؤمناً بمبدأ حرية الرأي واحترام الرأي الآخر. كيف كان وقع اتصال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتعزيته لك ولأسرتك؟ - اتصال خادم الحرمين الشريفين شيء لن ننساه أبداً، الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك بكل معاني الكلمة، وكان صوته مليئاً بالحزن والعطف والحنان خلال اتصاله، وسأل عن والدتنا وأوصاني أن أبلغها السلام، ويمكنني القول إن اتصال خادم الحرمين الشريفين واهتمامه بوالدي في آخر أيامه فضل لن ننساه. لو عرض على سهيل القصيبي تولي منصب وزاري، هل سيقبله، ولماذا؟ - لا أعتقد أن أحداً سيعرض عليّ منصباً وزارياً، لست مؤهلاً لهذه الوظيفة، وليست لدي أي خبرة عمل في القطاع العام. ما سبب استقرارك في البحرين؟ - تربيت في البحرين في الثمانينيات، والحياة هناك جميلة، وتزوجت بحرينية، ولله الحمد أنا مرتاح وسعيد هناك. كلمة توجهها لمحبي الدكتور القصيبي، وأخرى للمختلفين معه؟ - أقول لمحبيه: نشكر لكم دعمكم وولاءكم للمرحوم وجزاكم الله خيراً، وبالنسبة إلى المختلفين معه، أتمنى لهم التوفيق والنجاح، وأكرر أن لهم الحق في الاختلاف معه، ونحن أولاده اختلفنا معه أحياناً، وليس لدي أو لدى العائلة أي حقد أو عداء تجاه من اختلف مع غازي القصيبي.